خطورة الفساد في موريتانيا / د.الحسين الشيخ العلوي

الرواتب بموريتانيا :

راتب رئيس الجمهورية في موريتانيا  7 ملايين أوقية( قديمة) بالشهر أي ما يعادل 18,2 ألف دولار بالشهر.

أي أن راتبه السنوي = 218,2 ألف دولار أمريكي. و هو الراتب الأعلى عربيا وإفريقيا لرئيس جمهورية.

ويحتل راتب رئيس الجمهورية في موريتانيا المرتبة الخامسة عالميا بعد كلا من :

الرئيس الأمريكي (أعلي مرتب لرئيس جمهورية في العالم) يتقاضى 33,000 دولار أمريكي شهريا.

الرئيس الفرنسي (الثاني عالميا) يتقاضي 19 ألف يورو في الشهر والتي تعادل 21,7 ألف دولار أمريكي.

المستشارة الألمانية (الثالث عالميا) تتقاضي  20,5 ألف دولار أمريكي.

رئيس وزراء كندا  19 ألف دولار في الشهر(الرابع عالميا).

ويأتي راتب رئيس الجمهورية في موريتانيا في المرتبة الخامسة عالميا متقدما علي الرئيس الصيني والروسي ورئيس وزراء المملكة المتحدة، ومتقدما علي 200 رئيس جمهورية ورئيس وزراء في بقية دول العالم.

جدول الرواتب الحكومية في موريتانيا من الأعلى إلي الأدنى هو كالتالي :

الراتب الشهري للوزير الأول 4 ملايين أوقية(قديمة) أي 10,400 دولار أمريكي.

الراتب الشهري للوزير 2 مليون أوقية(قديمة) أي 5,194 دولار أمريكي.

الراتب الشهري لمستشار في الرئاسة 2 مليون أوقية (قديمة) أي نفس راتب الوزير.

الراتب الشهري للوالي 2 مليون أوقية(قديمة) أي نفس راتب الوزير.

الراتب الشهري للمكلف بمهمة في رئاسة الجمهورية 2 مليون أوقية (قديمة)

الراتب الشهري لمستشار الوزير الأول 1,8 مليون أوقية (قديمة) أي 4,674 دولار أمريكي.

الراتب الشهري لعضو لجنة الصفقات 1,7 مليون أوقية (قديمة) أي 4,416 دولار أمريكي.

الراتب الشهري لعضو الجمعية الوطنية 1,2 مليون أوقية(قديمة) أي 3,117 دولار أمريكي.

الراتب الشهري لعضو مجلس الشيوخ مليون أوقية(قديمة) أي 2,597 دولار أمريكي.

رواتب رؤساء مجالس الإدارات لجميع المؤسسات العمومية تتراوح بين 500 ألف أوقية قديمة إلي مليون أوقية(قديمة) أي تتراوح بين 1,299 إلي 2,597 دولار أمريكي.

الراتب الشهري لعضو مجلس الشباب 450 ألف أوقية(قديمة) أي 1,169 دولار أمريكي.

الراتب الشهري لطبيب متخصص 250 ألف أوقية (قديمة) أي 650 دولار أمريكي.

الراتب الشهري لطبيب عام 150 ألف أوقية (قديمة) أي 388 دولار أمريكي.

الراتب الشهري لضابط في الجيش مابين 130 إلى 150 ألف أوقية(قديمة) أي ما يعادل 338 إلي 388 دولار أمريكي.

الراتب الشهري للأستاذ 120 ألف أوقية(قديمة) أي 312 دولار أمريكي.

الراتب الشهري للمعلم 100 ألف أوقية(قديمة) أي 260 دولار أمريكي.

الراتب الشهري للجندي 60 ألف أوقية(قديمة) أي 156 دولار أمريكي.

الراتب الشهري لمتوسط الدخل 60 ألف أوقية (قديمة) أي 156 دولار أمريكي.

الحد الأدنى للأجور في موريتانيا هو 30,000  أوقية(قديمة) أي ما يعادل 78 دولار  أمريكي وهو  ما يجعل موريتانيا تتذيل قائمة العالم متقدمة علي ستة دول فقط.

أوجه الفساد في موريتانيا :

من المتعارف عليه في جميع دول العالم أن سكان الأحياء الراقية بالمدن الكبرى هم من طبقة الأثرياء، المكونة أساسا من كبار التجار ورجال المال والأعمال والمغتربين، ويندر أن تجد موظفا عاما سواءً كان ساميا أو في وظيفة متوسطة يسكن هذه الأحياء، نظرا إلي أن ثمن الفلل والشقق بهذه الأحياء تفوق قدرة الموظف الحكومي علي اقتنائها مهما كانت درجته الوظيفية.

لكن في موريتانيا لو أخذنا حي تفرغ زينة، الذي يعتبر أرقي حي في العاصمة وفي موريتانيا قاطبة لوجدنا أن معظم أصحاب الفلل الفاخرة به هم موظفين حكوميين بالدولة وغيرهم من أصحاب الوظائف العامة. والغريب أن الموظفين الحكوميين القاطنين في تفرغ زينة أو غيرها من  أحياء العاصمة يملكون منازل فاخرة(وفق المعايير الموريتانية!) ويتعدى ثمنها 100 مليون أوقية قديمة. وبما أن منصب رئيس الوزراء أو منصب الوزير عادة منصب مؤقت لا يمكث فيه صاحبه إلا لسنوات قليلة في معظم الأحيان، فإننا سنحسب رواتب رؤساء مجالس الإدارات للمؤسسات العمومية التي تتراوح بين 500 ألف  إلي مليون أوقية(قديمة) أي أن المتوسط هو 750 ألف أوقية قديمة، فلكي يتمكن هذا الموظف من بناء منزل قيمته 100 مليون أوقية، فإنه سيحتاج إلي توفير كامل راتبه( ودون أن يصرف أو ينفق منه أوقية واحدة)، لمدة 133 شهرا، أي ما يزيد قليلا علي 11 سنة من التوفير دون أن يصرف منه بتاتا!

بهذه الحسبة البسيطة ندرك أن الموظفين العامين من وزراء  ورؤساء مجالس الإدارات والمستشارين في الرئاسة والولاة والمكلفين بمهمة في الرئاسة والبرلمانيين وأصحاب الرتب السامية في الجيش والأطباء المتخصصين والسفراء والقناصل لا يمكنهم الحصول علي منازل فاخرة يتجاوز ثمنها 100 مليون أوقية قديمة، من التوفير من رواتبهم. هذا فضلا عن السيارات الفارهة والحفلات والسهرات المترفة التي تصرف فيها الملايين دون حساب، والرحلات المكوكية إلي الخارج للسياحة وغيرها، دون حساب العطايا والهدايا والمنح التي يصرفها الموظف العمومي في قريته وداخل قبيلته، من هنا ندرك دون كبير عناء أن هؤلاء قطعا يملكون مصادر دخل إضافية، جعلت بعضهم بهذا الثراء الفاحش في سنوات قليلة، تمكنهم من هذا الإنفاق الفاحش والمبالغ فيه ، ببساطة إنهم جميعا ودون استثناء يذكر ، جزء من منظومة فساد متغلغلة في كامل كيان الدولة الموريتانية وفي جميع القطاعات.

الفساد منظومة متكاملة تنخر في جسم الدولة الموريتانية حتى أضحي أسلوب وطريقة للتعامل في جميع المؤسسات والإدارات العامة في موريتانيا، منذ شرعن العسكر للفساد الممنهج في  مطلع تسعينيات القرن المنصرم خلال حقبة الرئيس الأسبق معاوية ، حتى أصبح عرف كرس من الأعلى، مما وطد للرشوة والمحسوبية وسرقة المال العام واستغلال النفوذ والمنصب.

نظام العمولات والفواتير المضخمة وصفقات التراضي العمومية، والتهرب الضريبي، وغيرها الكثير  من فساد الذمة المالية، ولم يسلم منها قطاع سواء كانت الوزارات أو الهيئات العمومية أو قطاع الصيد أو الجمارك أو قطاع التعدين أو الزراعة حتى الجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني هي الأخرى أضحت مرتعا لسوس الفساد. والغريب أن قطاع الشؤون الإسلامية في موريتانيا أصبح هو الآخر جزء من منظومة الفساد في بلادنا!.

ولأن البضاعة الرديئة تطرد البضاعة الجيدة من السوق، فقد خرج الموظف العصامي والشريف والنزيه من دائرة التأثير وصنع القرار، ولم يتبق في إداراتنا العامة إلا المرتشين وأكلي المال الحرام، وأصحاب العمولات والصفقات المشبوهة من تحت الطاولة، لأن منظومة الفساد لن تقبل بغير الفاسد في ميدانها.

خلال ثلاثة عقود عملت منظومة الفساد في موريتانيا علي خلق لوبياتها المكونة من الواجهات السياسية(موالاة ومعارضة)، وشيوخ دين، المتاجرين بالصلاح والتدين(فقهاء السلطان)، كبار الرتب في الجيش الموريتاني، كبار التجار والمهربين، واللائحة تطول.

من أبرز تمظهرات الفساد في موريتانيا، بناء علي معطيات وإحصائيات صندوق النقد الدولي والموجز القطري الخاص بموريتانيا للعام 2016 الصادر عن اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة، والتقارير الاستخباراتية الغربية :

3,2% من السكان تستحوذ علي 66% من الناتج الإجمالي المحلي للبلد.

66 عائلة فقط تستحوذ علي 72% من مجمل النشاط الاقتصادي الخاص بالبلد.

134 عائلة (81% منها من البيظان) يتبادل أفرادها التوظيف وتقلد المناصب الحساسة في البلد منذ ثلاثة عقود.

أبناء الضباط كبار الرتب في الجيش الموريتاني هم في الغالب من يتم قبولهم في الكليات العسكرية أو إيفادهم للخارج في دورات العسكرية لتخريج الضباط.

لا شكل أن النظام الموريتاني خلال حقبة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز  حاول جادا محاربة الفساد، ونجح إلي حد كبير في محاربته قاعديا ، وحد كثيرا من الطرق الفجة والعلنية لنهب وسرقة المال العام والتحايل عليه، التي كان تتم في الإدارات العامة وبطريقة مستفزة، إلا أن نظام ولد عبد العزيز أبقي علي الفساد الرأسي، وكل ما عمله هو أنه ضيق من دائرة الفساد العام وجعله محصورا في عدد قليل ومتحكم فيه من قبل النظام.

وكما قال لي كوان يو( باني سنغافورة الحديثة) أن محاربة الفساد مثل تنظيف السلم يجب أن تبدأ من الأعلي إلي الأسفل، فإن كان نظام السيد محمد ولد الغزواني جادا في محاربة الفساد عليه أن يبدأ من الأعلي، عبر إقرار الذمة المالية للوزراء وأصحاب المناصب العليا وبشفافية مطلقة ويتم نشرها في وسائل الإعلام وفي الجريدة الرسمية ليتمكن الشعب من محاسبتهم عند ترك الوظيفة أو عند ظهور ثراء فجائي عليهم، كما ينبغي علي الحكومة القيام بعملية إصلاح جذرية تبدأ بتقديم جميع الضالعين في الفساد في موريتانيا إلي العدالة.

لا يمكن تحقيق أي تنمية أو تقدم أو الإبقاء علي سلم أهلي ووحدة وطنية في ظل الفساد، والفساد في موريتانيا ينبغي أن تكون  محاربته أولوية الأولويات، ودون أبطاء.

فقد يسكت ويصبر المواطن الفقير والجاهل الذي لا يعي ولا يدرك  تمظرات الفساد ولا تجلياته لكن المواطن المتعلم والواعي لن يسكت طويلا، وجميع الانتفاضات التي أطاحت بحكومات وأنظمة في الكثير من البلدان كان سببها استشراء الفساد وتغوله.

الشاب الموريتاني المتعلم الذي يعاني البطالة والحرمان، تستفزه  مظاهر الفساد التي يشاهدها يوميا، وسيظل يراكم الاحتقان إلي أن يصل إلي النقطة التي تفيض الكأس، وساعتها لن تجدي أي تدابير وقائية وسيكون وقت الإصلاح قد فات، فهل يتعظ صناع القرار في موريتانيا مما يحدث في دول الجوار وغيرها.

21 يوليو 2020 / تونس.

[email protected]

ثلاثاء, 21/07/2020 - 13:38

          ​