الإصلاح التربوي كلمة تشرئب إليها الاعناق وتميل النفوس ويتطلع لها الجميع بتلهف لأن كل خطوة إلى الامام تبدأ حتما بإصلاح النظام التربوي باعتباره أساس التنمية الذي هو الانسان، لكن من أين يبدأ الإصلاح وعلى أي أسس نخطط للمستقبل وهل هناك إدارة جادة في التعامل مع هذا الملف الحساس باعتباره الضامن لمستقبل أمة تتطلع لغذ أفضل مشرق؟
لقد قطعت الدولة الموريتانية منذ نشأتها خطوات بطيئة ومتفاوتة في سبيل إصلاح التعليم تأثرت كثيرا بالتجاذبات السياسية والإيدلوجية، فالبعض يرتكز مفهومه للإصلاح حول اللغة باعتبارها الحاضنة للمعارف والمهارات والناقلة للقيم المدنية والبدوية والحقل الذي يوجد شعبا واحدا متباين المشارب واللهجات والعادات واللغة والمصالح....
والبعض الآخر يقتصر مفهومه للإصلاح التربوي على مجاراة النمط الغربي ومحاولة التنازل عن القديم خدمة للعولمة ومغازلة المؤسسات المانحة، ولو أدى ذلك إلى تنازلات مجحفة بالمجتمع وبنيه، وهناك ثلة من الأولين ترى أن الموروث الثقافي والحضاري لشعب عربي مسلم محافظ استطاع أن يقدم نفسه للعالم بقيمه الراسخة وإشعاعه الثقافي والحضاري، وحضوره المعتبر في منصات الثقافة العالمية والإبداع الفكري، كان من اللازم أن يجعل من الماضي والحاضر أساسا يبني عليه إصلاح المستقبل المنشود، وسط هذه التجاذبات الآنفة وخلال فترة ولد الطايع وعصر انهيار المعسكر الاشتراكي وأحادية القطب الواحد ونفوذ المبشرين بالديمقراطية الجديدة ودعاة التغريب و الإصلاح 99. ومن أهدافه المعلنة: توحيد النظام التربوي، تقوية تدريس اللغات الأجنبية على حساب اللغة العربية والتربية الإسلامية. تدريس المواد العلمية في الحلقات بالفرنسية ابتداء من السنة الثالثة ابتدائية. إدخال التربية المدنية وجعل التلميذ محور النشاطات اليومية، والاهتمام بالمهارات التي يحتاج المتعلم ثم تطبيق هذا الإصلاح دون تحضير يذكر فولد هزيلا مشوها رغم المواد الهائلة التي أنفقت الدولة والمساعدات السخية والفنية التي قدم الغرب مباركة لهذا الإصلاح الذي يشرف عليه بواسطة المستشارين الفنيين والبعثات التربوية التي ينتدبها ويكونها.
لا شك أن هذه المقارنة شلت التعليم في بلادنا وأصابته بوعكة مزمنة تلازمه ملازمه الداء العضال فظل زمامه في أيدي حفنة من المبهرين بالنموذج العربي في اسوء تجلياته يلهثون خلف إدارة فاشلة تغازل المؤسسات المانحة وترضى بشروطها المجحفة تاركين وراءهم عشرات الأطر الاكفاء الذين تم الاستغناء عنهم بسبب إسناد المواد العلمية إلى المدرسين جدد تم اكتتابهم وتكوينهم في عصر ازدهار الرشوة والمحسوبية والغش فكانوا البركان والاعصار الذي أجهز على التعليم في بلاد المليون شاعر.
وتتابعت السنون العجاف وتم تخلي الدولة عن إصلاح القطاع وأصيب الآباء والمدرسون بخيبة أمل كبيرة بالحركة الليبرالية التي أسلمت التعليم إلى بعد تسابق التجار المستثمرين إلى المدارس الحرة تسابقهم إلى التنقيب عن الذهب. وخلال العشرية الماضية استبشر الآباء والأمهات بتنظيم المنتديات التي جمعت ورشات متعددة ناقشت طرق إصلاح القطاع وتعهد الوزير الأول حينها بتطبيق مخرجات وتوصيات اللجان. إلا أنه ظهر أن ذلك الالتزام لم يصادف هوى في نفوس بعض السياسيين الذين يحرصون على مصالحهم الضيقة، والتوصيات حبيسة الرفوف حتى أسدلت عليها ستائر النسيان.
ومن خلال هذا التشخيص المؤلم فإننا بحاجة إلى خطة استعجالية من بينها:
- ضرورة مراجعة النظام التربوي مراجعة شاملة،
- تشمل مشروعات استراتيجيا يضع في الحسبان ثوابت الامة وخصوصياتها الثقافية والحضارية ومواصفات المواطن الذي نعول عليه في بناء المستقبل.
-فرض اللغة العربية التي اعتبرها الدستور الرسمية وتدرس لجميع المواطنين بها جميع المواد دون فصل أو اقصاءأو تمييز؛
-تحسين الظروف المادية والمعنوية للمدرس حتى يشعر بإعادة الاعتبار عن طريق تطبيق مبدأ المكافأة والعقاب وسن تشريعات جديدة منصفة تواكب التطور الحاصل في الحياة اليومية؛
-تحطيم الحواجز بين جميع حلقات التعليم وتسييره من طرف أهل الفن وإبعاد التسييسوالزبونية والرشوة.
-دعم التكوين المستمر والاشراف عن قرب حتى يتعافى القطاع ويخرج من غرفة الاحتضار سالما؛
- اجتثاث رموز الفساد والرشوة الجاثمين في مكاتب الوزارة والاعتماد على الكفاءات المحلية وإبعاد الخبرات المستوردة، لأن أهل مكة أدرى بشعابها.
- هذا ما رأيت أن أشارك به حتى أرفع حرج الإثم عن الزملاء و " معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون"
________________
كتبه مفتش رافق القطاع لمدة أربعة عقود تتابع فيها المحل وهجران الأوابد والنوافر.
محمد الأمين حمين مفتش تعليم متقاعد