لقد كنا ننتظر بفارغ الصبر ؛ وعلى حر من الجمر ؛ من المؤتمر الصحفي كشف النقاب عن ملفات موبوءة وحساسة ؛ والتطرق لحيثيات ما يدور وراء كواليس الشارع الموريتاني ؛ الصاخب والمكتظ بالاحاديث الصالونية عن الفساد الذي استشرى فى العشرية الماضية ؛ فكما عودنا العزيز على المصارحة والمكاشفة حينا من الدهر مضى وانقضى ؛ وان كان تغطية وإلهاء للشعب عما هو أهم ؛ إلا أن المؤتمر الصحفي للرئيس السابق لم يحمل بين ثناياه جديدا ؛ و كان يغص بالمتشابه واللاتمايز والفوضوية السيمانطيقية والدلاللية بلغة الابستيميلوجيين والمناطقة ؛ فقد بدا الرئيس السابق من خلال المؤتمر شاحب الوجه ؛ منهوك ومشدود الأعصاب ؛ يبدو على محياه الإرهاق والتعب السيكولوجي ؛ غير مرتاح البال ؛ وحتى اللغة لم تسعفه هي الأخرى لتستبد به فى هالة من الابعاد المفارقاتية وحتى المغالطاتية ؛ وكأن لسان حاله ينطق خفية ولاشعوريا ؛ أنه لم يكن ليخطر فى لاوعيه المرهف والمشتت ابستيمولوجيا ؛ والمبعثر والمتناثر سيستاماتيا أن بمقدور أي كان أن يوجه له تهمة فساد ؛ أحرى أن يساق إلى شرطة الجرائم الاقتصادية والمالية ليتم التحقيق معه فى قضايا اقتصادية ومالية .
إن القراءة الموضوعية والحيادية لهذا المؤتمر الصحفي ؛ إذا ما أردنا انصاف صاحبه ؛ كان بمثابة هفوة أو كبوة جواد فى سباق مع أترابه ؛ ليلقي به فى بحر لجي من البارادوكس والمغالطات ؛ فهو لم يحمل جديدا إنه أشبه ما يكون بالحركات البهلوانية ( للديك المذبوح ) يقاوم الموت ؛ كذلك فالمؤتمر كان نكسة وموتا سريريا بطيئا تجاه وحيال الأمر الواقع ؛ والاعتراف الصامت بلامشروعية هذا الثراء الفاحش للرئيس السابق الذي لم ينفه وإنما يؤكده ؛ والذي يقول إنه ومنذ توليه لدفة الحكم لم يصرف أوقية واحدة من راتبه ؛ والسؤال الذي يطرحه الشارع الموريتاني كيف لرئيس دولة راتبه 7 ملايين أن تكون له ثروة طائلة وحسابات بنكية بالمئات وفيلاهات محليا ودوليا وجرارات ...الخ فى الوقت الذي يصرح فيه بأن حصوله على هذه الثروة الهائلة لم يكن مصدره الفساد ونهب خيرات البلد؛ فمن أين له هذه الثروة أليس مصدرها الشعب ؟ ومن كان يتحمل عنه أعباء وتكاليف مصاريف الحصول على ما ذكرنا للتو من عقارات وأموال ومن كهرباء ...إلخ ؟ .
لنفترض جدلا أنه خارج السلطة فمن ذا الذي يجرؤ أن يقدم له هدايا وعلى أي أساس ؟ تتذكرون معي شعبنا العظيم الجسور الصبور على المسغبة قصة مؤسس الدولة الموريتانية الرئيس المختار ولد داداه عندما قدم له رئيس دولة زائير الجنرال موبوتو سيسى سيكو ( الكونغو الديمقراطية حاليا ) هدية مالية بقيمة خمسة ملايين دولار ؛ فأوعز إلى وزير ماليته بأن يجعلها فى خزانة الدولة فرد الرئيس الزائري عليه بأن الهدية له شخصيا ؛ فرد الرئيس المختار رحمة الله عليه ؛ قائلا للرئيس الزائري تصوروا معي لو كنت خارج السلطة ؛ فهل بامكاني الحصول على هذه الهدايا ؛ فأنا حصلت عليها عن طريق الدولة الموريتانية ؛ وباسم الدولة الموريتانية ؛ ولم أحصل عليها بوصفي ولد فلان أو علان ؛ وهذه القصة أصبحت تتردد على الشفاه ؛ فهذا عمر الكافي المصري يتحدث عنها فى قناة " إقرأ " ويتمنى لو وجد الأفارقة رجالا من أمثاله فستكون إفريقيا من أغنى شعوب العالم ؛ هكذا تكون العفة أو لا تكون ؛ هكذا تتجسد فكرة الدولة ورئيس الدولة الحق ؛ عندما يتسامى عن أكل المال العام ؛ وعندما يتعالى كبرياء وانفة وعفة عن أن يخضب يداه بالمال العام ؛ عندما توخزه نفسه وامعاؤه جوعا وعطشا يوما أو ليلة ؛ حينها يتذكر أن هناك مرضى وجوعى يحتاجون للدواء والأكل قال تعالى : " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " ؛ ما بدلوا وما حرفوا وما غيروا خشية يوم تشخص فيه القلوب والأبصار؛ خشية يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ؛ فمابال أقوام ورؤساء ليس لهم من الهم إلا تكديس الأموال ؛ وبأي ثمن وبأية وسيلة ؛ ولو على حساب انهاك الدولة وتفقير الشعب ؛ وتبديل قيم ورموز البلد وبيعها بالمزاد العلني ؛ ومع كل ذلك يدوسون كرامة شعوبهم بميسم نعالهم الخشنة ؛ ويبصقون على وجوههم الشاحبة .
وهكذا يظهر جليا من خلال المؤتمر أيضا أن الرئيس السابق لما يتحدث بعد عن مصدر ثرائه ؛ وحتى أنه لم يستطع تبريره ؛ نظرا للاضطراب البادي على نفسيته ؛ فنحن كنا ننتظر تفنيده للاتهامات الموجهة إليه من طرف لجنة التحقيق البرلمانية ؛ التى يقول عنها إنه يكفر بها كفرا بواحا ولا مصداقية لها ؛ لأن الغرض منها _ كما يقول هو _ تصفية الحسابات والشيطنة له شخصيا ؛ فى الوقت الذي ظل فيه يستعطف ويستجدي ود رفيق الدرب وصديق البندقية طيلة المؤتمر وهو ما يستشف منه نوع من التودد ومغازلة السلطة ؛ حتى لا تقطع شعرة معاوية ؛ وهي إشارة واضحة إلى سعيه للتهدئة معه ؛ وردم هوة صراع الاحتدام وصديقه الذي فرق الدهر بينهما على حين غرة ؛ وعلى العموم فإن الخرجة الإعلامية للعزيز تشابه علينا وخلطت الأوراق ؛ حتى ما عدنا نستطيع تمييز الحق من الباطل ؛ المتهم من البريء ؛ المفسد من المصلح ؛ ولذا كان المؤتمر الصحفي غرسا لمسمار على نعش الفساد المستشري؛ الذي امتزجت به العشرية الماضية ومازجها ؛ ولم يستطع الرئيس نفيه بل تم إثبات ذلك من خلال بوحه بوجود ثروة هائلة ؛ لا يدري ما مصدرها ؛ أهو التطير او السحر والدجل ؛ أم الهدي والكرامات والنصب والاحتيال ؟ ؛ وهو ما يجعل البقر تشابه علينا ؛ فمن ذا الذي يستطيع منكم كشف طلاسم المؤتمر وفك شفرته ؟ .
اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد
كيفه بتاريخ : 29 / 08 / 2020