تمثيل المنظمات الصحفية في صندوق الدعم العمومي وفق آلية التناوب هي وحدها الآلية القانونية / أحمد ولد مولاي امحمد

تمثيل المنظمات الصحفية في صندوق الدعم العمومي وفق آلية التناوب هي وحدها الآلية القانونية في النظام التعددي

لم يعد سرا أن هناك جهة في وزارة الثقافة "الوصية على الإعلام"، وتحظى بدعم من جهات خارج القطاع، تسعى لحسم موضوع تمثيل المنظمات الصحفية في عضوية لجنة تسيير صندوق الدعم العمومي للصحافة الخاصة لفائدة المنظمات "الأكثر أعضاء" والتي يسمونها "الأكثر تمثيلا"، بدلا من آلية التناوب بين رابطة ونقابة للصحفيين من جهة وثلاث هيئات للناشرين من جهة أخرى واتحادين للمواقع الالكترونية.

والواقع أن احتكار التمثيل على أي منظمة نقابية يخالف النظام الليبرالي التعددي الذي انتهجته موريتانيا منذ إقرار دستور 1991 والذي يتناقض مع الاحتكار تماما ويسمح لجميع المنظمات بالدفاع عن مصالح منتسبيها وأعضائها في تناوب ديمقراطي يحيل إلى التناوب على السلطة بين الرؤساء وبين الأحزاب السياسية.

وإذا افترضنا أن ما يفكر فيه بعض المعنيين في وزارة الثقافة "موضوعي وحاسم" فهل هو قانوني وديمقراطي وعادل،؟! وماذا لو كانت جميع المنظمات أو معظمها أو بعضها تحظى بنفس عدد الأعضاء تقريبا، هل يتم التناوب بينها أم تحتكر التمثيل في لجنة تسيير الصندوق تلك التي تزيد بعضو أو اثنين بفارق النسبية ؟ وماذا لو كان أعضاء المنظمة "الأكثر تمثيلا" أقل صدورا وانتظام صدور ومصداقية ومهنية من بعض المنظمات الأخرى.

الحقيقة أن هناك من يريد توريط معالي وزير الثقافة وأمينها العام، الجديدين على القطاع، في ملف محسوم سلفا بآلية التناوب الديمقراطي المعتمدة منذ 2012، لذلك يعملون بكل الطرق لفرض تمثيل هيئة أو أخرى على حساب آلية التناوب التي رضي بها الجميع لأنها وحدها التي تحترم القانون والتعددية، وهي محاولة تشويش تحدث في ملفات كثيرة على مسار الإصلاح الذي تبناه وأعلنه فخامة رئيس الجمهورية والمبني على الشفافية والعدل والإنصاف وبناء دولة القانون والمؤسسات.

لقد حاول هؤلاء مجددا فرض تمثيل تجمع للناشرين تم تمثيله السنة المنصرمة لأن لدى بعض أعضائه علاقة وطيدة جدا بأحد رجال الأعمال الوازنين، وهي العلاقة التي حرمتهم من التمثيل عام 2018 لكن الوزارة صححت ذلك الخطأ ليتم تمثيلهم في العام المنصرم 2019 وبالتالي فإن محاولة فرضهم مجددا ستواجه بكل تأكيد بالرفض القاطع وبالقوانين المعمول بها في الجمهورية لأنها تخالف المنطق والقانون ومبدأ العدل والإنصاف، خاصة إذا علمنا أن أخطاء الإدارة سواء كانت متعمدة أو غير متعمدة يصححها القضاء إذا لم تصححها الإدارة نفسها.

إن آلية التناوب بين الناشرين في تمثيل الصحافة الورقية جرى اعتمادها منذ 2012 وتم احترام تلك الآلية حتى 2018 حيث تم حرمان تجمع الصحافة من التمثيل بسبب علاقته برجل أعمال معارض للنظام السابق، وبعد إنصاف التجمع عام 2019 ومنحه حق التمثيل، فإن الدور تلقائيا يصبح من نصيب الاتحاد المهني للصحف المستقلة في موريتانيا الذي تأسس في مارس 1994 ويضم خيرة الصحف والمواقع الموريتانية وأجرى 14 تجديدا لهيئاته القيادية منذ إنشائه وحتى اليوم عكس معظم المنظمات الصحفية الأخرى، كما لا يعقل أن يتم تجاوزه ليصبح التمثيل من حق النقابة (ج)  إذا علمنا أن ترتيب تمثيل الناشرين في اللجنة منذ 2012 كان على النحو التالي: (ا) تجمع الصحافة الموريتانية و(ب) الاتحاد المهني للصحف المستقلة في موريتانيا و(ج) نقابة ناشري الصحف.

لقد قدم أحد رؤساء المنظمات الصحفية "استشارة مجانية" لجهة معنية، تقضي بضرورة تمثيل الهيئات الأكثر أعضاء وذلك "لقطع الطريق على الفوضى التي يشهدها الحقل عموما ولجنة صندوق الدعم العمومي بشكل خاص"، وهي استشارة مخالفة للقانون لأنها تحتكر التمثيل في جهة واحدة ونحن في نظام ليبرالي تعددي، ورغم سلامة المقصد افتراضا إلا أن الدول لا تسيرها العواطف بل القوانين، كما أن التفكير في اعتماد هذه الآلية فتح الباب أمام فوضى انتساب التراخيص لبعض المنظمات التي لا تحظى بتمثيل معتبر.

إن الجهة التي تسعى أطراف في الوزارة إلى أن تعيد تمثيلها تنتسب لها صحف صدرت خلال سنة 2020 أقل من الحد الأدنى (ما بين 0 إلى 1 إلى 31 مرة ) بينما تتصدر صحف الاتحاد المهني حتى الآن انتظام صدور الصحف الموريتانية بيومياتها وأسبوعياتها جميعا.

إن دستور موريتانيا يؤكد في مادته العاشرة على أن الدولة تضمن لكافة المواطنين، إلى جانب حق التملك:

حرية الرأي وحرية التفكير.

حرية التعبير.

حرية الاجتماع.

حرية إنشاء الجمعيات وحرية الانخراط في أية منظمة سياسية ونقابية يختارونها.

وبالتالي فهي تضمن التعددية وتصونهاـ ولا يمكن احتكار التمثيل النقابي والجمعوي في جهة واحدة لأن ذلك يخالف القانون الموريتاني كما يخالف المنطق والعدل والإنصاف. وبالتالي فإن رئيس الجمهورية بموجب نص المادة 24 من الدستور: "هو حامي الدستور" ومحاولة الالتفاف على القوانين والدوس على قيم دولة القانون والمؤسسات هي محاولة للمساس من المكانة الدستورية لفخامة رئيس الجمهورية، وهي محاولة متواصلة منذ تنصيب رئيس الجمهورية للتشويش على مسيرة البناء في كنف العدل، فضلا عن أنها تشكل مسعى مكشوفا لتوريط معالي وزير الثقافة والسيد الأمين العام للوزارة في ملف محسوم سلفا بالقانون وبآلية التناوب الديمقراطي، ذلك أن أي جهة لن تقبل أن تمثلها جهة منافسة، ولو كانت تقبل بذلك لما كان هناك تعدد للمنظمات بل لانصهرت جميعها في اتحاد موحد إلا أن ذلك لم يتم لأن كل منظمة تجد ذاتها في الإطار الذي يمثلها وذلك حتى إشعار آخر.

إن عملية اختلاق "قبة من الحبة" واختلاق "البحث عن آلية توافقية جديدة" غير التناوب الديمقراطي القائم منذ 2012 ليست بريئة وخاصة إذا علمنا أن من افتعلها قام بذلك خدمة لزبونية ومحسوبية مكشوفة لصالح أطراف يهمه أن يقدم لها خدمة مجانية أو معوضة على حساب مبادئ العدل والإنصاف وإرساء أسس دولة القانون والمؤسسات في بلد هو في أمس الحاجة إليها وإلى القضاء على ظواهر "السيبة" والزبونية والمحسوبية والمحاباة التي أعاقت تقدمه منذ عقود

أربعاء, 30/09/2020 - 13:52

          ​