وطن تأسس علي المحسوبيه والتوريث الوظيفي / د.محمدعالي الهاشمي

إن فلسفة التوريث تقوم على التواصل أو التوصيل، بهدف الاستمرار أو الديمومة الحضارية، بصرف النظر عن تبدل موضوعات الإرث والتوريث، فإلى جانب التوريث المعروف في المفهوم المرتبط بالدين، هناك التوريث الأخطر، هو توريث الوظيفه مروراً بالعائلة أو الأسرة والقبيله

وفي هذا السياق، يندرج الاختلاف حول ظاهرة التوريث، الموسومة بسمة التمييز أو التمايز: وفي كل حال، التوريث ظاهرة اجتماعية ، لا جدال في خطورتها؛ ولكن الخلاف يدور حول أشكالها وشروطها، في المجتمع، وأعرافه، وفي الدولة   وقوانينها. إنها ظاهرة متصلة جذرياً بحفظ المعسكر القديم وأبناءه  وتهميش البقبه ، أشبه ما تكون بـ"شبكة اجتماعية" لا تخلو من تعقيدات؛ لكنها شبكة ذات خروم، يخرج منها الكثيرون، ويبقى فيها القليلون، هم الوارثون، الخارجون من الشبكة الوراثية يراودهم شعور بالحرمان والظلم والاستعباد.

وهكذا تسير الأمور في بلادنا منذ نشأتها لا عدالة ولا مساواة فيها، أناس فوق القانون لأنهم أبناء وزراء وأبناء عسكريين او ابناء فلان وعلان......، هم يرثون المناصب والوظائف الحكومية والعسكريه؛ لنجد ظاهرة التوريث  ثقافة تتوسع داخل الدوله بشكلها الواسع في  جميع المجالات، السياسيون لاينجب الا سياسيون والأطباء ينجبون أطباء، والمهندس لابد أن يكون ابنه مهندسًا، والقضاة لا بد ينجبون وكلاء نيابة وقضاة، والضباط الصغار يجاورون المفوضين والعقداء في وزارة الداخلية والدفاع وسرعان ما يصبحوا عمداء وعقداء بحكم صلة الرحم، وأساتذة الجامعات المفروض بهم القدوة في صلاح الدوله وخير من يعتمد عليهم في تقديم النصيحة والمشورة للساسة إذ بهم يضربون كل المثل العليا والقدوة الحسنة عرض الحائط، بل أول من يخرق القوانين عندما يحجزون الكراسي ومقاعد المعيدين لأبنائهم وأقاربهم، بل أصدقائهم، رغم أن كل القوانين المعلنة الموجودة في هذه القطاعات لا تفرض تعيين أى من أبنائهم في هذه المواقع العلمية المفترض بها التحصيل المعرفي والمؤهل العلمي هو الفاصل والحاسم في هذا الأمر

كانت اسباب ثورة الربيع العربي التي عصفت ببعض البلاد العربية  هي ظاهرة التوريث الوظيفي وتعيين الاقارب وتهميش الكفاءه مما جعل (البوعزيزي) ينتحر حرقا بالنار من الألم للذي عاشه كان يحمل شهادتين جامعيات  مهندس ميكانكي ودكتور اقتصاد وقد صفعته مفتشة شرطه عندما كان يبيع بعض الخردوات في الشارع ليست لديها اي مستوي يخولها ان تكون مفتشه للشرطه

اصبح التوريث ظاهرة واضحه للجميع والدك أو امك كان وزيرا او سفيرا او سياسيا معروفا فأنت ستوظف بلاشك ولا تحتاج لشهادات ولا للدراسه وستصبح عضوا في هذه الشبكه . 

إذا كنت موريتانيا وتحلم بوظيفة عليا أو تخطط لها فالفرصة الوحيدة أمامك للإنضمام إلى سكان الطبقة العليا اوتكون من العائلات  التي تم تسجيلها لتداول وتدوير الوظائف العليا بين أفرادها.

إذا كنت شابا طموحا في انواكشوط ولديك الكثير من الشهادات والمؤهلات  فلا تقلق كثيرا أمامك بصورة عامة طرق محددة للوصول للمنصب او الوظيفه…قبيلتك وتمثيلك الجهوي..قدرتك على  تمثيل اي من المكونات الإجتماعية الرئيسية بما يتطلبه الأمر من طاقة على التضليل وقدرة على النفاق (اتلحليح) ويا ليت (اتلحليح )في هذه الحالة لرأس الدولة أو النظام بل لمن هم أقل شانا بكثير من حراس القصر وما يدور حوله.

وبطبيعة الحال توجد طريقه طريفة يمكن ركوبها بصورة موسمية وغير متكررة فإذا كنت صاحب صوت مرتفع في المعارضة او إدعاء المعارضة او المناكفة وأحيانا الشغب يمكنك ان تحصل على فرصة محصورة (كجميل منصور وبيرام مثلا) وهذه صاحبها يكون لديه وجه من (تنكرده)

اما الثقافة والوعي والوطنية والإحساس بالمسؤولية معايير لا تنفع من يخطط للإنضمام لنادي الموظفين الجدد مع ان الإدارة يوجد فيها مخلصون وبيرقراطيون شرفاء.

اما الكفاءة فحدث عنها ولا حرج فهي نادرة والمعيار الأخير في السلم الوظيفي وفي بعض لأحيان تخدم الصدفة شخصا ما من اصحابها فيصبح موظفا وبعد كل هذه المعاناة يسألك علية القوم عن اسباب ومبررات الترهل الإداري وعن مسوغات التباطؤ في تمرير الإصلاحات وعن خلفيات سقوط الكثير من الأحلام والمشاريع.

من لافت  ان ماكينة النخب تذهب بعيدا وهي تمارس التوريث بكل الأصناف فكل فيل يدخل إلى حقل الجرار يحطم ما يستطيع من طموح شباب الكفاءة والمهنيين في كل قطاع ويسمح بتسرب وترقية من هم أضعف منه فقط حتى يضمن البقاء في الوظيفة لأبعد سقف زمني ممكن.

تنفرد النخب الموريتانيه العليا بميزة أعتقد بانها غير موجودة في العالم وهي القدرة على إحباط اي كفاءة او طموح وتحطيم اي فرصة حقيقية على الاعتبارات المهنية وحراسة قانون التوريث الضمني الصامت فإبن الوزير محجوز مكانه حتي يكبر  وإبن السفير على الأرجح سيكون دبلوماسي رفيع ولا تفلت من هذ التوريث المؤسسات العامة ولا حتى بعض المؤسسات السيادية  وهو برأيي الشخصي أخطر ما يمكن ان يحصل خصوصا وان أصحاب القرار المرجعي يتركون شأن التوظيف للمسؤولين الذين يتولون ثقتهم وهؤلاء آخر ما يراعونه الكفاءة والمهنية رغم الإدعاء بالشفافية في التعيين وتشكيل لجان للشفافية ومحاربة الفساد .

إذا رضي عنك ثلاثة من الأربعة الكبار في الإدارة العليا فستجلس بكل تأكيد على كرسي الوظيفة العليا وسيتقاذفك القوم مرة في وزارة وأخرى في سفارة وعند التقاعد وبطء الحركة يمكنك الإنضمام إلى متاحف الوظائف العليا المتعددة من رئاسة مجالس إدارات شركات كبرى إلى مجالس أمناء ثم مجالس تشريعية  ....... 

وإذا لم تتوفر لك وظيفه شاغره او مكان معين وكنت مقطوع الوصف وتشكل «ضرورة  ملحة» يدبر لك القوم في انتخابات عامة مزورة لتصبح بين المشرعين ثم تمارس بدورك المهمة الوطنية المقدسة التي يغلفها الأفاقون بشعار «الولاء والإنتماء» وهي مهمة تتمثل في أحباط المزيد من الموريتانيين الوطنيين الشرفاء المهنيين في كل القطاعات.

وبسبب الزحام الشديد على تداول وتداور نحو  الكثير من الاشخاص في أكثر الأحوال بمواقع الصف الأول يمكنك عند الزحمة تشكيل تيار سياسي او حزب أو جماعة ضغط أو مجموعة حراك مشاغبة.

ان الوظائف قليلة بل نادره في موريتانيا ولايستحقها إلا ابناء النافذين ولديهم لكثير من الأولاد والاقارب وهؤلاء لا يمكنهم العمل في القطاع الخاص او التحول لمهنيين رفيعي المستوى والمكان الأنسب لهم دوما هو وظيفة في الدوله   وانتم ياصحاب الكفاءه وشهادات العليا وانتم يامن اذرفتم دموعكم دما علي الورق وتحملتم ويلات الغربه بجوعها ومرضها ومرراتها من اجل نيل شهاده ووظيفه لضمان العيش الكريم عليكم معرفة هذا والحل أمامكم وما أعرفه شخصيا  ومتأكد منه  اننا لن نقبل بالذل والهوان ولن نرضى بالسكوت والكتمان ...ويوماما سنعلنها ثورة على الظلم والفساد ونموت ويموت العشرات والميئات من أجل العداله والمساوات بين الشعب الموريتاني  

يبدو أن سيناريو المحسوبية وتضارب المصالح والارتشاء وغياب الشفافية والعدالة والمساواة وتوريث لوظيفة لن نجد له حلا إلا بثوره شعبيه عارمه في جميع التراب الوطني .

نحن نعرف انه ما من بيت يخلو من شاب أو شابة على أعتاب فضاء الوظيفة. وقد يكون مفهومًا أن يقوم أي أب بالوساطه  في وظيفه لابنه، أو أن يوفر له أفضل المناصب في أحسن وظيفة. لا شك أن الميسورين هم الأوفر حظًّا من غيرهم.. نتفق بأن الله سبحانه وتعالى قد كفل رزق جميع المخلوقات.. في السماء أو في بطن الحوت، ولكن متي وكيف؟ 

من البديهي أن  أطول رحلات عمرك رحلة اكتشافك لذاتك. فسبحان من خلقك ووهبك..فبعد اكتشافك القدراتك وكفاءتك تتفاجئ انك شخص سلبي في هذا الوطن ولاتستحق التوظيف وان من يستحقون التوظيف هم مجموعه معينه وانت لست ضمنهم  

الجميع يتفق علي ان توريث الوظيفة العامة يتسبب بكوارث كبيرة مدمرة للجهاز الاداري للدولة ويحطم قدسية الوظيفة العامة وقدسية الدوله ،  والاهم حرمان شرائح كبيرة من الخريجين  من الحصول على وظيفة.

ربما يكون كلامى ضرباً من الخيال، خاصة بعد أن تشعبت العلاقات، والأقارب فى جسد الدولة العميقة، وأصبح هناك تضارب فى المصالح ربما يمنع من تغيير اي شئ ، ولكن أراهن على الرئيس محمد الشيخ الغزواني ، فى قدرته على محاربة هذه الشبكة العنكبوتية وتفكيكها وان يقوم بإصلاح عام في الاداره ويعطي اهميه لشريحة الخريجين ويلتفت إليهم  فهاؤلاء هم الخطر الحقيقي . 

وفي الأخير ندق ناقوس الخطر بانهيار وتحطم اجهزة الدولة بسبب تفشي سرطان توريث الوظيفة العامة والذي سيدمرها بشكل كامل ان لم يتم توقيفها ويستوجب على الجميع المشاركة في توقيفها كون اضرار تدمير الجهاز الاداري للدولة سيتضرر منها الجميع بمافيها المورث والوريث للوظيفة العامة لانه لن يكون هناك شيء لتوريثة بعد دماره .

يستوجب اتخاذ الاجراءات السريعة لتوقيف توريث الوظيفة العامة بايقاف جميع مسبباتها والشروع في معالجتها ومنها ماذكرناه في مقالنا هذا واي تأخير في تحقيق ذلك سيستحيل معالجتها و سيتسبب  في احتقان وتمرد في صفوف المثقفين  .

ويستلزم توقيفها لاستعادة قدسية واحترام الوظيفة العامة والدوله  باعتبارها واجب قبل ان تكون حق  والذي ينخرها بعنف كارثة فساد توريث الوظيفة العامة .

 

ثلاثاء, 13/10/2020 - 09:59

          ​