من ملامح القصور المعرفي و المنهجي لدي اغلب النخبة المثقفة في بلادنا غياب او ضمور الروح النقدية لديهم .هذه الروح التي تمكن من مساءلة و نقد أسس ومباني النظم و الهيئات و المؤسسات من اجل استجلاء مدى صحة الأسس التي أقيمت عليها و مستوى نجاعتها في تحقيق الأهداف المنشودة و كذلك مقارنتها بخيارات و تجارب أخرى لمعرفة جوانب النجاح و مكامن القصور.
ولا يجد الباحث كبير عناء في ملاحظة غياب هذه الروح النقدية لدى كثير من مثقفينا و خبرائنا . فغالبا ما يتناولون القضايا بعقلية تسلم بما هو واقع وتبحث فقط عن حلول ترقيعية و علاجات تطبيعية لا تقنع شاكا و لا تطمئن حليفا.
ومن الجلي ان موضوع( إصلاح التعليم ) أحد الموارد التي ينكشف فيها بجلاء هذا القصور الفكري المعيب .
فتجد كاتبا و مثقفا لا معا يدبج مقالا مطولا حول ( إصلاح التعليم ) ويعتمد مقاربة تقوم على وصف تبسيطي سطحي يجعل مشاكل التعليم تكاد تنحصر في نواقص مادية ( الاكتظاظ ، نقص الطاولات ، عدم كفاية الكاب والدعائم التربوية ، ترهل البنى التحتية ) ثم يعرج على الحديث عن مشاكل حقيقية وجوهرية في بابها لكنها عرضية في الموضوع الأساس مثل تدني رواتب المدرسين و ارتفاع معدلات التسرب المدرسي و طغيان القيم المادية الاستهلاكية في المجتمع ونحوها من أعراض الظاهرة التي لا يمكن فهمها و معالجتها بنحاعة الا بعد الفراغ من تحليل نقدي لأسس و منطلقات المنظومة نفسها..
أن التسليم بالمنظومة و تجاوز مساءلة أسسها مرض منهجي مزمن لدى أغلبية مثقفينا يجعلهم أقرب إلى عمال فنيين ( ميكانيكيين )؛ذوي كفاءة متوسطة كل همهم إصلاح الآلات و المنظومات المعطوبة بأقل التكاليف .
و من أسباب هذا القصور نقص التكوين الأكاديمي ، و عدم العناية بدراسة تواريخ الأمم و تجاربها ، و طغيان التحفظ والمجاملة للمجتمع و السلطات الزمنية ، والخوف من التعارض مع متبنيات سياسية لدى هذا الطرف أو ذاك.
أخشى أن تدفعني مطالعة كثير من منشورات مثقفينا وكتابنا وفقهائنا إلى القول إن لدينا فنيي ثقافة و خبراء اجتماعيين ونفسيين ووعاظ ( مع احترام وتقدير هذه الوظائف والألقاب و التأكيد على أهميتها و حاجة المجتمع الماسة إليها ) أكثر مما لدينا من مثقفين وفقهاء وعلماء.