وترجل الخلوق.. / المختار الطالب النافع

دقائق قليلة بعد منتصف الليل.. انتبهت فزعا من نوم عميق بفعل جرس هاتف غير معهود في مثل هذه الاوقات.. ودون أن اتبين المصدر كانت على الطرف الآخر حنجرة غالبها البكاء واختلط فيها الدمع بالصوت.. يخي اتعال تحظر فالصل اعل يرب عند الرابع والعشرين.. وانتهت المكالمة.

لا حول ولا وقوة الا بالله العلي العظيم، و لا اله الا الله وحده الحي الذي لا يموت والانس والجن يموتون وانا لله وانا اليه راجعون.

كلمات ثبتني الله تعالى بها وانا أتلقى في مثل هذه الساعة ومن غير تقدير فاجعة فقد  أخي وزميلي ومديري يرب ولد اسغير.

نعم يرب الهادئ الخلوق، يرب الطيب الكريم، يرب الوفي الحنون ، يرب الذي يعز علي وصفه ويضيق خيالي دون نعته المستحق.

عرفته عن قرب كما عرفه الكثيرون ممن تنادوا للصلاة عليه في ناشئة الليل وتشييعه لمثوى طالما آمن بحتميته وأعد له أيما إعداد.

عرفته في ميدان الأخوة كريما معطاء، وفي حقل الزمالة وفيا حافظا، وفي الإدارة مقتدرا وإنسانا.

جمعتني واياه مواقف متعددة ولحظات مختلفة الظروف، يتطلب بعضها حزما ويحتاج الآخر الى لين ، فكان يرب فارس الحالتين وعنوانا لازدواجية التعامل مع الظرفين.

جمعتني وأخي وزميلي ومديري يرب في صيف 2017, أقدس رحلة حين أدينا مناسك حج ذلك العام، لكننا لم نكن وحدنا.

يومها اكتشفت أن الاربعة الذين يتقاسمون مع يرب غرفته بسكن الحجاج بحي "الشيشة" في مكة المكرمة ، عمال بسطاء من ميناء خليج الراحة الذي كان يديره يومها، وهو الذي كان له الفضل بعد الله تعالي في تحقيق آمالهم البعيدة في الوصول الى المكان.

رحل في هدوء كما العظماء يرحلون،  وودع الدنيا على غير ميعاد كما هي الموت لا تأتي الا بغتة، تاركا مروءات وأخلاقا عز مثيلها ومآثر يستحق وارف الدموع عليها.

اللهمّ إنّ يرب في ذمّتك وحبل جوارك، اغفر له وارحمه واصرف عنه عذاب جهنم فأنت أهل الوفاء والحقّ. 

اللهم ان رحمتك وسعت كل شيئ فارحمه رحمة تطمئن اليها نفسه وتقر بها عينه واجعله في بطن القبر مطمئنّاً، وعند قيام الأشهاد آمناً، وبجود رضوانك واثقاً، وإلى أعلى درجاتك سابقاً.

اللهم اجعله يا كريم ممن قلت فيهم لا يبدل قولك(إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ* لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ* لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكْبَرُ وَتَتَلَقّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ*).

وانا لله وانا اليه راجعون.

أربعاء, 18/11/2020 - 15:23

          ​