عندما تهتز الصور النمطية! / محمد الأمين ولد الفاضل

(1) ـ لم يحدث، ومنذُ أن بدأتُ الكتابة في الشأن العام، أن انتقدتُ موظفا حكوميا مثلما انتقدتُ الرئيس الحالي للجمعية الوطنية النائب الشيخ ولد بايه؛

ـ كنتُ من أوائل الذين حصلوا على مقطع الفيديو الشهير " متليت آن ومتلات موريتانِ"، وكان ذلك خلال مؤازرتي لحراس أزويرات، وكنتُ من الذين دونوا ونشروا العديد من المقالات عن مقطع الفيديو المذكور؛

ـ كنتُ من الذين شاركوا بقوة في حملة إعلامية شرسة ضد الرجل عندما ترشح لمقعد نائب عن مقاطعة ازويرات في انتخابات 2018، وكنتُ من الذين انتقدوا بقوة ترشيحه رئيسا للبرلمان الموريتاني.

بطبيعة الحال، ونظرا لما أوردته في النقاط السابقة، فلم يكن من الغريب أن أسيء الظن برئيس البرلمان، ولا أن أترصد أخطاءه خلال رئاسته للبرلمان..كنتُ أريد أن أجمع من أخطاء الرجل خلال رئاسته للبرلمان الموريتاني ما يدعم الصورة التي تكونت لدي عنه، وتكونت أيضا لدى أغلب المهتمين بالشأن العام. ولا أظنني أفشي سرا إن قلت لكم إن النائب ولد بايه قد فاجأني بعد انتخابه رئيسا للبرلمان بإنجازات ومواقف لم أكن أتوقعها منه.

وإذا ما استثنينا بعض الأخطاء التي تتعلق بزلات لسان، وقد كتبتُ عنها في وقت سابق، فإن أداء ولد بايه كرئيس للبرلمان فيما مضى من مأموريته كان في محصلته أداءً جيدا يستحق التثمين، ومن المواقف والإنجازات التي تحسبُ له :

ـ رفضه الحاسم للتوقيع على مبادرة النواب المطالبة بالتمديد للرئيس السابق، وقد اعتبرناها في ذلك الوقت ـ نحن الذين ننظر بعين ناقدة لأداء الرجل ـ أنها مجرد ردة فعل شخصية بسبب تبليغه بالمبادرة من طرف نواب يعملون تحت إمرته؛

ـ محاولته لأخذ نفس المسافة من نواب الأغلبية والمعارضة خلال إدارته لجلسات البرلمان وخلال تسييره للغرفة، ومثل ذلك شيء نادر، وهو ما يليق برئيس جمعية وطنية في نظام ديمقراطي؛

ـ إطلاقه لواجهة إعلامية تليق بمكانة البرلمان الموريتاني (قناة البرلمانية؛ موقع على الانترنت وصفحة على الفيسبوك)؛

ـ تسييره المقبول للموارد المالية للجمعية الوطنية على العكس مما كان يحصل في الماضي؛

ـ ويبقى إنجازه الأهم ـ والذي لم يكن متوقعا منه ـ هو إصراره الشديد رغم معارضة قوية من بعض النواب على أن تكون اللغة الرسمية واللغات الوطنية هي اللغات المستخدمة حصرا في البرلمان الموريتاني. لقد بذل رئيس البرلمان جهودا كبيرة في هذا المجال، فاكتتب مترجمين من وإلى اللغات الوطنية، وأعطى مساحة واسعة في قناة البرلمانية للغاتنا الوطنية، فأصبحت كل الجلسات تنقل بكل لغاتنا الوطنية، الشيء الذي أتاح للموريتانيين بمختلف مكوناتهم أن يتابعوا كل مداخلات الوزراء والنواب في الجلسات البرلمانية.

(2)

ـ لم يحدث في المقابل، ومنذ أن بدأتُ اهتم بالشأن العام، أن ناصرتُ موظفا حكوميا مثلما ناصرتُ وزير الصحة الحالي الدكتور نذيرو ولد حامد؛

ـ كنتُ من أوائل أولئك الذين سارعوا في إطلاق الوسوم (الهاشتاكات) ونظموا الوقفات ونشروا التدوينات والمقالات دعما لوزير الصحة ولإصلاحاته الموعودة؛

ـ  في السادس من نوفمبر 2019 نشرتُ على حسابي في الفيسبوك هذه الرسالة المختصرة جدا، والموجهة إلى وزير الصحة، والتي تقول: " يمكن أن تعتبرني جنديا خلفك، وعلى استعداد كامل لأن أقاتل معك حتى آخر لحظة في معركة الإصلاح التي قررت أن تخوضها..سأبقى جنديا خلفك ما دمت مصرا على خوض معركة إصلاح القطاع."؛

ـ لقد أطلقتُ ذلك التعهد وكنتُ صادقا فيه، ولقد عملتُ خلال أشهر بمضمون تلك الرسالة، فكنتُ أشيد بقوة بكل ما يمكن اعتباره انجازا للوزير، وإذا ما اطلعتُ على ما يمكن اعتباره إخفاقا أو تقصيرا أقوم بإرساله في رسالة خاصة إلى معالي الوزير ودون نشره، وذلك حتى لا أشوش على "جهوده الإصلاحية"؛

ـ كنتُ أتوقع بالفعل نجاح الوزير في جهوده الإصلاحية، وذلك رغم إدراكي لصعوبة إصلاح قطاع فاسد كقطاع الصحة، وكان ذلك التفاؤل ناتج عن أربع نقاط قوة يمتلكها الوزير، فهو طبيب ميداني يعرف القطاع، ولديه رؤية إصلاحية للقطاع حسب ما كان يقول، ومدعوم شعبيا، هذا فضلا عن كونه يتمتع ـ كغيره من الوزراء ـ  بصلاحيات واسعة منحها له رئيس الجمهورية، ولكي تدركوا حجم الصلاحيات الممنوحة للوزير فعليكم فقط أن تتذكروا كيف أغلقت ـ وفي غمضة عين ـ عشرات الصيدليات التي يملكها متنفذون، ودون أن تنطح شاة شاة؛

ـ للأسف لم يركز الوزير على الأهم ثم الأهم فبدأ بفرض التباعد على الصيدليات، وأضاع في ذلك جهدا ووقتا ثمينين، كان يجب أن يخصصهما لما هو أهم وأكثر أولوية من تباعد الصيدليات الذي كانت نتائجه سلبية (نقص في بعض الأدوية؛ حصول مشقة إضافية  لمرافقي المرضى الفقراء الذين لا يمتلكون سيارات، والذين قد يحتاجون لشراء دواء في وقت متأخر من الليل..)

ـ بعد أشهر قليلة تراجع التفاؤل، وبدأت أخطاء الوزير تتكشف لي ولغيري من داعميه، فما كان مني إلى أن نشرتُ في يوم 20 مايو 2020 مقالا تحت عنوان "هل سيصحح وزير الصحة أخطاءه؟". كان ذلك المقال بمثابة أول نقد علني للوزير في فضاء عام، وكان محاولة من مشفق للفت انتباه معالي الوزير إلى أخطائه، وذلك لكي يبدأ في تصحيحها من قبل فوات الأوان؛

ـ إني أدرك جيدا أن وباء كورونا قد أربك وزارات الصحة في كبريات دول العالم، وأدرك كذلك أن الوزير يعمل في ظروف صعبة جدا، ولكن كل ذلك لن يمنعني من القول بأن الوزير قد أضاع فرصا ثمينة لن تتكرر، ولعل أثمنها ذلك التعاطف الشعبي الكبير الذي حظي به، والذي لا أظن أنه قد حظي به وزير من قبله. هذا التعاطف الشعبي الواسع تحول اليوم إلى سخط شعبي، وتحولت بذلك وقفات التضامن مع الوزير أمام وزارة الصحة إلى وقفات تطالب باستقالته.

(3)

لو أني استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لما تغيرت مواقفي، فقد كان من الطبيعي جدا أن انتقد العمدة ولد بايه خلال فترة مناصرتي لحراس ازويرات، وكان من الطبيعي جدا أن أدعم الدكتور نذيرو عندما بدأ يتحدث عن رؤية إصلاحية للقطاع بعد تعيينه وزيرا للصحة. لستُ نادما على أي شيء من ذلك، ففي تلك الفترات كانت تلك المواقف هي المواقف السليمة حسب وجهة نظري المتواضعة.

لستُ نادما على تلك المواقف، ولكن النزاهة الفكرية والموضوعية تقتضيان اليوم أن انتقد بقوة وزير الصحة، وذلك بعد أن تضامنتُ معه بقوة لأشهر . كما تقتضيان أيضا أن أنصف رئيس البرلمان الذي كنتُ قد انتقدته بقسوة خلال السنوات الماضية. 

  

حفظ الله موريتانيا...               

أحد, 24/01/2021 - 13:50

          ​