العدل يا صاحب المنصب الأسمى /محمدفاضل الهادي

الحق لا يُعلى عليه، الحق أن يُقْضى بين اللناس بالعدل أن يُسَيَرَ كل أمر بعدل، و أن يرعى الراعي في رعيته بالعدل، و أن يرد الظلم عن كل مظلوم و يقتص من كل ظالم، هذا هو العدل، و هذا العدل لا يتقادم و لا تفسُدُ أحكامه، و لا ينقضي برهانه و لا يزول من الأرض حتى يرثها الله و من عليها.

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأمر عماله أن يوافوه بالموسم، فإذا اجتمعوا قال: "أيها الناس، إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم ولا من أموالكم، إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم، وليقسموا فيئكم بينكم. فمن فعل به غير ذلك فليقم. فما قام أحد إلا رجل واحد قام، فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّ عاملك فلانا ضربني مائة سوط. قال: فيم ضربته؟ قم فاقتص منه.

وكيل الجمهورية عامل لديكم، سيدي الرئيس، و أنتم هم الراعي في هذه الرعية، فلا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلو، و لا يجعلنكم عامل لديكم تغضون الطرف عن حق الذي لا يغُضُ الطرف عنه من يسير على منهاج الحبيب محمد صلى الله عليه و سلم، و صحابته الأجلاء.

سيدي الرئيس، قلت ساعة وُجِهَ لي السؤال حول علاقتكم بالعدالة، أنكم صاحب المنصب الأسمى، و ما كذبت في هذه، فانتم أسمى بأخلاقكم، و أسمى بمرجعيتكم و أسمى قبل هذا و ذاك بإيمانكم برب العالمين، قبل ان يسمو بكم منصبكم، و قبل أن تكونوا راعيا لهذه الرعية.

لما أُتِيَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتاج كسرى وسواريه، قال: "إنَّ الذي أدَّى هذا لأمين! قال له رجل: يا أمير المؤمنين، أنت أمين الله يؤدون إليك ما أديت إلى الله تعالى، فإذا رتعت رتعوا"

ذلك ينطبق عليكم، فلا يجزيكم يا سيدي نص وضعي و لا دستور، فلا دستور فوق القرآن و لا قانون فوق سنة الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه و سلم، و سنة الخلفاء الراشدين من بعده الذين أوصى صلى الله عليه و سلم بإتباع سنتهم.

"عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ".

لا تنتهي سيادة الرئيس الأمثلة في هذا الإتجاه، و لا شك يخالجني و لا شعور بعلمكم المسبق بكل هذا، فالمعين الذي نهلتم منه يجعلكم على اطلاع بتلك السِيَرْ العطرة و بما حوت من أمثلة.

نحن يا سيادة الرئيس لو كنا شعرنا بعدل عاملكم، لما جئنا إليكم، و لو كنا أحسسنا، و نحن العارفون بخبايا و تفاصيل القرائن و الدلائل و اتصال أو تقطع سلسلة الأحدث و مقارنة أقوال القائلين و تحليلها و مقارنتها، لو كنا يا سيادة الرئيس شعرنا بحقيقة ماثلة لنا تفيد بإدانة أبناءنا و تثبت علاقتهم بهذا الأمر الذي بين أيدينا، لما كنا لجأنا إليكم، و لما كنا حتى دافعنا عنهم، فلا طبعنا ذاك، و لا فكرتنا تلك، فإيماننا بالدولة راسخ قبل ميلادها، و يقيننا بأهمية و ضرورة المحاسبة نجسده فيما يولينا الله من أمور، و نزيد على ذلك بقدرتنا الفائقة على التمييز بين الخطأ و الصواب، و نعرف معرفة يقينية أن الأمة الواحدة يجب أن تطبق قانونها على الجميع و أن تنصف الجميع و أن ترعى مصالحها من كل الأخطار داخليها و خارجيها.

و لا نسعى في الأرض فسادا معاذ الله، و لا ننقُص من قدر قاض و لا قيمة محكمة و لا أهمية قانون و لا دور جهاز من أجهزة الدولة أكان تنفيذيا أم تشريعيا أم قضائيا، معاذ الله، لا يصدر ذلك الفعل من حفدة الموثقين و القضاة قبل ميلاد الجمهورية .. أبدا .. أبدا.

لكن ما وصل إلينا من نبأ التحقيقات التي و للأمانة لم نجدها إلا صدفة عبر تسريبها و لا نعلم من سربها، جعلنا ندقق فيما جرى و نراجعه مرات و مرات حتى نتأكد من صحته و تناسقه و فعالية القرائن و الأدلة التي هي الوسائل المتاحة لتوجيه الإتهام و هي المرجع و الفيصل و الحجة الدامغة لتبرير حبس متهم أو تبرير إخلاء سبيله دون وجه متابعة.

و بعد اطلاعنا على كل ما نشر، و بعد تحليلنا له، و نظرنا إليه، واجهتنا حقائق صادمة، قد تكون دليلا على صدق الداعين لإصلاح قطاع العدالة، و هي كذلك بالفعل.

لقد اطلعنا على محاضر انشائية لا تزيد عن علاقات طبيعية و عادية جدا بين أشخاص طبيعيين فيما بينهم، و لم نلحظ تضاربا في أقوال مُستمَعٍ إليهم، و لم يظهر لنا في كل ما قرأنا وجود أدلة مادية دامغة تجعل ممن تم اتهامهم مجرمين في نظر القانون و المنطق و واقع الأحداث.

و ليس لنا، معاذ الله، أن نحاول تضليل العدالة، و لا أن نسعى للنيل من صدق و نبل و حسن نية جهازنا القضائي، و لا نرى سوى أنه في ظل غياب أدلة قطعية تدين المتهمين، يبقى فقط الاجتهاد و الاستنتاج و هاهنا يجوز لنا الكلام، فالطلب بإيداع أبنائنا السجن، لا يمكن أن يستند إلى استنتاجات و لا إلى اجتهاد، فهم برآء حتى يثبت العكس و من المحكمة، و ليست التهم الموجهة إليهم من النوع الذي فيه أدلة يمكن طمسها، و ليست تشكل خطرا على حياة أحد حتى يودعوا على اثرها السجن، و لا يخشى عليهم الهرب، فليس من طبعنا الهرب، و لو جوبهنا بأفواه المدافع.

أما و هذه الحال، و قد اتفقت أمة لا إله إلا الله كلها على أن المحاضر في عمومها شكلية سطحية و قد تبين أن كل هذا التحقيق و هذه الفترة الطويلة جدا (تسعة شهور) لم تسفر سوى عن ما قرأناه و لم يتعمق التحقيق ليصل لحقيقة ما يجري، فقد بات لزاما علينا، و هذا واجب كل رعية على راعيها، تماما كما فعل أحدهم ذات مرة أمام الخليفة عمر، فإنه من واجبنا تجاهكم، و تجاه العدالة نفسها أن نقول بما علمنا و نحدث بما استحضرنا، و نبين ما تبين لنا، فانشغالات الراعي و تشعب واجباته و مسؤولياته تجعل من الضروري جدا أن يخبره أحد بما يجري و يقدم له حقيقة ما يجري و جرى، و أن يقصده طالبا الانصاف و العدل. فلا شيء أقسى من الظلم، و لا شيء أخطر على الحاكم من أن يستَغْفِلَه من ولاه أمر المسلمين فيعثوا في الأرض ظلما و عدوانا.

فيا صاحب المنصب الأسمى .. العدل .. العدل .. العدل.

 

أربعاء, 24/03/2021 - 15:23

          ​