شكل الحادي عشر من إبريل الماضي يوما استثنائيا في تاريخ دولة اتشاد ونظامها السياسي، فعلى الصعيد الداخلي كان الرئيس الراحل يتنافس في انتخابات رئاسية بحثا عن ولاية سادسة، تبقيه في الحكم لفترة أطول من العقود الثلاثة التي أمضاها بالسلطة، وكان المتمردون على الحدود الشمالية للبلاد، يخوضون معارك ضد الجيش، هدفها الأخير إنهاء حكم ديبي.
مضى الأسبوع الأول على الانتخابات وإدريس ديبي إيتنو واثق من الفوز، لكنه غير مطمئن على ما يجري بالشمال، رغم التقارير المطمئنة التي تأتيه أولا بأول بشأن الوضع المضطرب هناك.
لكن الرئيس البالغ من العمر 68 سنة، أمضى 30 منها بالحكم، لم يكتب له خوض ولاية سادسة، وينتظر أن تنظم له جنازة وطنية الجمعة سيحضرها قادة دول مجاورة، إلى جانب الرئيس الفرنسي، وبعد تشييع الجنازة، سيوارى ديبي الثرى في مسقط رأسه بأقصى شرق البلاد.
الابن يخلف أباه في الحكم
محمد إدريس ديبي، أو "محمد كاكا"، كما يحب أن يلقب رئيس المجلس العسكري الانتقالي في تشاد، والذي تسلم منصبه هذا إثر إعلان وفاة والده إدريس ديبي بعدما أمضى 30 عاما في الحكم.
ولقد اعتاد "الرجل القوي الجديد في تشاد" بحسب ما وصفته وكالة "فرانس برس"، أن يظهر مع والده بصورة متكررة، إذ ائتمنه ديبي الأب ليكون حارسه الخاص، بحكم منصبه كرئيس للحرس الرئاسي.
"الجنرال الشاب" الذي يبلغ من العمر (37 عاما) عرِف بنظاراته السوداء الداكنة التي أخفت عينين لا يعرفهما الناس كثيرا، كما هي الحال مع ماضيه وشخصيته، حيث اشتهر باسم "كاكا" التي تعني "جدة" في اللهجة التشادية، في إشارة إلى والدة الرئيس الراحل التي ربته.
ديبي الابن، فور تسلمه مهمة رئاسة المجلس العسكري، عين فيه على الفور 14 جنرالا من بين الأكثر ولاء لوالده، ووعد هذا المجلس بإرساء مؤسسات جديدة في ختام انتخابات "حرة وديموقراطية" بعد 18 شهرا.
ضابط رصين
وعلى صعيد القبيلة، فهو ينتمي إلى قبيلة الزغاوة التي يتقاسم عدد كبير من أبنائها مناصب رفيعة ضمن الجيش التشادي الذي يعد من بين الأفضل إقليميا.
ويقال في الجيش إنه ضابط رصين قليل الكلام قريب من جنوده.
وتقول الباحثة التشادية في العلوم السياسية في جامعة باريس نانتير، كلمة ماناتوما، لوكالة فرانس برس، "كان دوما إلى جانب والده وترأس المديرية العامة لأمن مؤسسات الدولة، وقد اختار الجيش استمرارية النظام".
بيد أن وحدة الزغاوة تصدعت في الآونة الأخيرة، إلى درجة أن المشير ديبي اضطر إلى فصل بعض الضباط المشكوك فيهم، وفق قول مصادر مقربة من القصر الرئاسي.
المولد والنشأة والدراسة
ولد الجنرال الشاب لأم من قبائل غوران، إحدى المكونات المجتمعية في الساحل الإفريقي، وتزوج من "غورانية" تعمل ضمن الفريق الإعلامي الرئاسي وهي ابنة جنرال رفيع كان مقربا من رئيس البلاد السابق حسين حبري الذي انقلب عليه ديبي عام 1990.
لهذا السبب تحديدا، ينظر إلى محمد "كاكا" بعين الريبة من قبل الزغاوة التي ينتمي إليها، وفق عدد من الخبراء في المنطقة.
ويقول الباحث في مركز الأبحاث الدولية التابع إلى معهد العلوم السياسية في باريس، رولان مارشال "إنه شاب فتي ولا يحبه الضباط الآخرون بشكل خاص. لابد أن يواجه انقلابا من الداخل".
نشأ محمد ديبي في نجامينا قبل إرساله إلى المدرسة العسكرية في أكس-أون-بروفنس جنوبي فرنسا، حيث مكث بضعة أشهر فقط.
وفور عودته إلى تشاد، تابع تحصيله في تجمع المدارس العسكرية المشتركة في العاصمة، والتحق على إثر ذلك بالحرس الرئاسي حيث سرعان ما ترقى في الرتب.
وتولى في المديرية العامة، على التوالي، قيادة السرب المدرع ووحدة حراسة شخصية، كما أنه قاد المجموعة الأولى المسؤولة عن أمن القصر الرئاسي قبل توليه قيادة المؤسسة بأكملها.
في المعارك، تميز بشكل خاص عام 2009 عقب إلحاق الهزيمة خلال معركة ام-دام بمقاتلي تيمان ارديمي، الذي ينتمي إلى عائلة الرئيس التشادي الراحل وقاد تمردا في شرق تشاد.
وكانت فرنسا داعمة للجيش التشادي لطرد هؤلاء المقاتلين الذي وصلوا قبل عام من ذلك إلى أبواب القصر الرئاسي في نجامينا.
بعيد عن الأضواء
ظل بعيدا عن الأضواء، خلف أخيه عبد الكريم إدريس ديبي، نائب مدير المكتب المدني لرئيس الجمهورية، ولكن الأضواء سلطت عليه حين عين نائبا لقائد القوات المسلحة التشادية لدى تدخلها في مالي عام 2013.
وهناك، احتك بالجنود الفرنسيين ضمن عملية سرفال، حلفاء والده في مواجهة الجهاديين في الإقليم.
فرانس برس + آتلانتيك ميديا