من نوادر رسائل المقاومة للشيخ ماء العينين / إسلم بن السبتي

تراث المقاومة في بلاد شنقيط، له مكانته السامقة، ومنزلته الرفيعة، وتثمينه وعرض ما يستجد من وثائقه، أمر بالغ الأهمية، وانطلاقا من هذه المسلمة، كان التوقف عند وثيقة جديدة جادت بها إحدى مكتبات مخطوطات مدينة شنقيط العامرة، وهي وثيقة متمثلة في رسالة لشيخ مشايخ الصوفية، وأمير أمراء المقاومة، وعالم العلماء، بما ترك من المؤلفات النافعة في شتى العلوم الدينية والعقلية، ذاك هو الشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل بن مامين رحمهم الله.

إن هذه الرسالة تعتبر من أواخر ما كتبه الشيخ حيث مهرها بتاريخ 28 جمادى الأول سنة 1326ه، ويظهر من ذلك أنها كتبت قبل وفاته رحمه الله بسنتين فقط، فهي بذلك تعد وثيقة دالة على استمرار الشيخ في المقاومة حتى آخر نفس في حياته، فالمقاومة نفس تنفسه الشيخ، وشدد علي اتباع نهجه فيه.

لقد جاءت الرسالة في ورقة واحدة، ويبدو أنها مبتورة الآخر، بل قد تكون أطول مما وقفنا عليه وأكثر تفصيلا، فالتعقيبة التي تظهر في آخر الصفحة توضح أن الرسالة مبتورة وتنقصها بعض التفاصيل. كما أن الرسالة غير محددة المكان، فهل كتبت في مدينة اسمارة؟ أو مدينة تيزنيت؟ أو غيرهما.

أما موضوعها الرئيس فهو كما هو معلوم الحض على المقاومة والترغيب فيها، وقد دلل على ذلك بآيات الذكر الحكيم، والأحاديث الشريفة، كما أشار إلى علاقته بأمير المومنين مولاي عبد الحفيظ حيث جاءته منه رسالة تحض المقاوميىن على بذل مزيد من الجهد لتجسيد فعل المقاومة، فقد وهن الأعداء، وأجمعوا أمرهم على الانسحاب، والفرار من أرض المعركة حتى يطمئن أمير المومنين في مجلسه بفاس، ويلتقي مع لفرانصيص، وجميع الأجناس، ويوجه إليكم ما آل إليه الأمر من صلح أو جهاد، فأوفوا بعهد الله، وبما التزمتم له في اتحاد كلمتكم.

وقد ذكر الشيخ نماذج من سقوط المعمر في مدينة تافلالت، والدار البيضاء، وقال بأنهم انهزموا هزمة عظيمة، مات منهم عدد كثير ولله الحمد.

ويظهر أن الشيخ في رسالته هذه ذكر عدة وقائع انهزم فيها المعمر، وأحصى خسائرهم ليشد من عضد المقاومين، ويثبتهم في أرض المعركة.

وعلى الرغم من توجيه الحديث إلى المقاومة على أرض المغرب، فنحن نعتبر أن المضمون أعم من ذلك بكثير، حيث يوجهه إلى المقاومين في بلده الأصلي أرض بلاد شنقيط.

إن سقوط جزء من هذه الرسالة يحجب عدة مراحل من المقاومة التي أصر الشيخ على تدوينها لتكون مصدرا ثرا لهذا التراث الضائع نتيجة لعدة عوامل ظاهرة وخفية.

وإلى أن تظهر بقية الرسالة، يبقى ما عرضناه جزءا ضئيلا من ما أراد الشيخ رحمه الله أن يوصله إلى المتلقي، فهو خزان تاريخ المقاومة الذي لا ينضب، وكلما ظهر منه جزء اتضحت باقي أجزائه الأخرى.

ولعل هذه الرسالة تكون باعثا للمشتغلين بشأن المقاومة على البحث عن تكملتها وتوصيل الصورة بشكل أوضح. كما أنها تنضم إلى مصادر ثقافة المقاومة التي لم يوقف عليها بعد.

وأخيرا نقول بأن الشيخ رحمه الله قد زف إلى أهل المقاومة دعاءه المستجاب بقوله:" فلزمنا مقابلة هذه النعمة بالشكر، فإنها أعظم النعم التي لا يحيط بها فكر، أيد الله بنا وبكم الإسلام، وعمنا وإياكم بالتجمل والإكرام، ومساعدة الليالي والأيام بالتمام، وعلى المحبة والسلام".

ونختم بآخر ما وقفت عليه من أشعاره التوسلية، والتي كانت سلاحه القوي في المقاومة، وشد عزائم المقاومين، فمن تلك الأشعار قوله:

حسبي ربي وهو لي جُنه    من وقت ذا إلى دخول الجَنه

ومما يقوي العزيمة ويشد الشكيمه، قوله:

لما بدا القنوط من إمهال     والحمد لله على إهمال

فلتجعلنه يا ذا الجــــــــــلال      فيما رضيته من الفعال

وشعره في التوسل وفي المقاومة مشغل واسع يجد الباحث فيه أريحية في التوسع والبحث في معانيه الأخاذة، ولغته الناصعة، وأسلوبه الجذاب.

وتعد مكتبة آل أحمد محمود، وأهل حامن من أكثر المكتبات احتفاظا بتراث الشيخ ماء العينين رحمه الله تعالى.

خميس, 27/05/2021 - 13:24

          ​