الهيكلة الوزارية ومسار إصلاح التعليم / د.محمد عبد الرحمن ولد الكرار

مما يتفق عليه الجميع أن واقع التعليم بحاجة للإصلاح ورد الاعتبار لطواقمه، والعناية الفائقة بالمنظومة التعليمة الوطنية، باعتبارها ركيزة لحفظ الهُوية وتكريس التنمية ودعم الوحدة الوطنية؛ ولا شك أن هذه المحددات المنشودة في مجملها يحتاجها تأسيس بُنى فوقية قادرة على التحكم الأمثل في بنيتنا التحتية السائرة في طريق الاستكمال والعصرنة.

لقد كان من بين الخطوط العريضة للخطاب السياسي الرسمي إعادة تنظيم مرفق التعليم ضمن برنامج تعهداتي إدراكا لمستوى التردي الحاصل في أداء المدرسة العمومية عبر تلاحق السياسات التربوية المرتجلة، وبسبب تنافر أسلوب إدارة القطاع مع كل وزير يأتي وآخر يغادر. وإدراكا لهذا الواقع وتجسيداً لمطالب إصلاح التعليم فقد عكست الهيكلة التنظيمية للتعليم – بعد تشكيل أول حكومة 2019- رؤية جديدة لمقاربة الإصلاح، حيث أُدرِجت هذه المقاربة في مهام وصلاحيات الوزارة. وفي ذلك اقتناع باجتثاث كل منغصات التحديث والجودة كضرورة للإقلاع التنموي، إيمانا بقاعدة آكدية تصحيح البدايات لجني نهايات محمودة تقدِّمُ مخرجات تعليمية ذات جودة عالية؛ نحن بحاجة إليها في مختلف أبعاد قضيتنا التنموية وهُويتنا الثقافية ولحمتنا الاجتماعية واستقلالنا الاقتصادي ومكانتنا الجيو- سياسية.

وقد رافق هذا المعطى إسنادُ حقيبة التعليم لمعالي الوزير محمد ماء العينين ولد أييه، الذي بادر للسعي في صياغة بنية تنظيمية للقطاع تتناغم مع المرحلة؛ ظهرت فيها بِنْياتٌ وهياكل متمحضة لمسألة الإصلاح، كما أن مختلف التدابير التي سيطرت كانت مُنصرِفة إلى تجذير وترسيخ أسس بيئة مستقطبة للإصلاح، رغم أن البعض ربما استعجل في إدراك قيمة هذه التدابير، أو لم يطلع على حجم مسؤولية اجتثاث كل منغصات هذا التحول، الذي يأخذ الوقت ويستلزم طول النفَس في خضم زحمة التسيير اليومي وتثبيط الحالمين بمآرب شخصية صلُح المرفق أم لم يصلُح!..

أليس طريق الإصلاح يتطلب التؤَدة والاستمرار والثبات في التوجه، ومواجهة الضغوط والإكراهات وخطاب التثبيط؟ نعم طريق الإصلاح ليست ممرا قصيرا أو إجراءً عابرا أو استجابة تلقائية أو مناهضة مفتعلة أو مناورة ابراغماتية... .

ها قد جاءت التشكيلة الحكومية الجديدة لتُزكي مسعى وجهود وزير التهذيب وتعطي أفقاً للدخول في تفاصيل الإصلاح وتؤيد لُبّ التشخيص وكيف أنه مُستهدِفٌ لعمق الاختلال الدائر حول طبيعة النظام التعليمي؛ إنها فرصة سانحة: أن تستجيب الهيكلة الوزارية للإصلاح وجهود المصلحين، وتُحوّر بشكل دقيق محتوى مَكمْنِ الداء، وفي نفس الوقت تؤكد الثقة في المسار لسيادة الوزير الذي وضع السكة وتراءت له معالم الطريق.

إن الوطن بحاجة لنظام تعليمي قوي ولا شك  أن القائمين على تسيير  البلد كانوا يدركون  هذه الحاجة؛ كما هو مُسطّر في ثنايا برنامج تعهداتي، ولكنهم اليوم أدركوا مرتكز هذا التفعيل ونطاقه من خلال الإصرار على إصلاح النظام التعليمي بالخصوص وإسناده لإطار استفاض في تشخيص الوضع وتعمّق في ميكانيزم الانطلاق؛ وهذان رهانان يؤسّسان لرؤية جديدة لا يسعنا إلا أن تحتفي بها جميعاً، وأن ندعمها كلٌّ من موقعه وبما يتاح له، ذلكم هو المفهوم الإيجابي للمواطنة المارق على كل غاية أو تجاذب في سياق ضيق، سعياً لترقية المدرسة العمومية والانتقال بها شكلا ومحتوى ومصداقية وشمولية إلى مفهوم المدرسة الجمهورية؛ إكسيرِ السلم الاجتماعي و حاضنةِ القيم ولبنةِ المجتمع المدني اليَقِظ ومنطلقِ الأطر البشرية المؤهلة.

جمعة, 28/05/2021 - 12:02

          ​