سكاكين الموت: سرد لكرونولوجية القتل في نواكشوط / د.أمم ولد عبد الله

قبل فترة قرأت كتاباً للباحث المصري؛ أيمن السيسي يحمل عنوان : من نواكشوط  إلى تمبكتو : الكتابة على حافة الموت، سرد فيه المؤلف جزءا من تاريخ المنطقة وعلاقته بالقتل وتحدث بشيء من التفصيل عن طرق صناعة الموت بمساهمة من دول عظمى وأنظمة بعينها؛ عبر تجارة الممنوعات بغية تحقيق أهداف معينة في منطقة الساحل.

والحقيقة أن القتل بكل أساليبه  ليس غريباً على ساكنة هذه الأرض ؛ فقد اغتيل المقاوم ولد امسيكه غدرا بعد صراع طويل  مع المستعمر الفرنسي على يد صديقيه سام وعبدات؛ بطريقة تُظهر بوضوح  طبيعة تلك العلاقة الهشة بين التدين  وإنسان هذه الأرض وهي هشاشة تبدو أكثر وضوحا في تمفصلات الخريطة الديموغرافية لعاصمتنا الفتية .

لقد ساهمت عوامل عدة في جعل مدينة نواكشوط تسجل أكبر نسبة لجرائم القتل بالسلاح الأبيض منها: (طبيعة المهاجرين إليها؛ بالإضافة إلى انتشار المخدرات في أوساط شبابها ناهيك عن الفقر والبطالة وتدني مستويات التعليم..) 

كلها عوامل اجتمعت لتخلق ما سميناه بظاهرة سكاكين الموت التي تشكلت من خلال اكرونولوجية مرعبة في كل تفاصيلها .

لم تكن جرائم القتل منتشرة بهذه الصورة المقلقة في أسبابها وتمظهراتها  ونتائحها ..ففي ثمانيات القرن الماضي وقفت مندهشا أمام جدتي ؛ رحمها الله؛ وهي تقدم لنا تفسيرا لاستمرار الرياح القوية المحملة بالغبار الذي تسبب في انعدام الرؤية خلال أربع وعشرين ساعة؛ حين أرجعت السبب لانتشار قتل النفس الني حرم الله دون وجه حق؛ بعد قتل إمراة لزوجها بغاز سام  في مقاطعة لكصر ؛ .ونظرا لغرابة الأمر  حينها؛ فقد أثار اهتمام الرأي العام الذي قدم تفسيرات تباينت في تصوراتها. 

لم تكن جرائم القتل وقتها منتشرة بشكل يجعل منها ظواهر عادية في المدن الكبرى.  ومع بداية القرن الحادي والعشرين ستأخذ جرائم القتل بالسلاح الأبيض وتيرة متسارعة ومخيفة؛ فلا تكاد تمر أبع وعشرون ساعة دون تسجيل جريمة قتل أو الشروع فيها .

وهناك عينات من  الجرائم لاتزال عالقة في مخيلة ساكنة نواكشوط لبشاعتهاوانعدام الانسانية لدى منفذيها؛ ففي 2009 قُتل راهب امريكي في مقاطعة لكصر بطريقة بشعة؛ وبعد ذلك بسنة قتل  مُسن في كرفور في وضح النهار . وفي العام 2012 وتحديدا في العشر الأواخر من رمضان أقدم أب على ذبح أبنائه في عرفات ، هزت الحادثة وقتها شارع نواكشوط الذي لم يكن سكانه يتوقون أن القادمة أشد فظاعة

أساليب بشعة:

لم يكتف القتلة  بالسكاكين بسلب الضحايا  أرواحهم بطريقة مخيفة؛ بل تعد الأمر ذلك ليشمل الاغتصاب والحرق؛  كما حدث لخدي توري وللطفلة زينب في عرفات التي حرقت جثتها بعد اغتصابها بطرق بشعة في العام 2014..

المخيف في الأمر أن حوادث من هذا القبيل ستكرر في السنوات اللاحقة .فلم ينقض عام 2015 دون أن يسجل حوادث فظيعة مثل قتل سيدة في سوق العاصمة طعنا حتى الموت ؛ وكانت سنتا 2017 و2109 قد سجلتا أكبر نسبة للقتل في تاريخ العاصمة؛ فخلال 2017 ذبح رجل زوجته؛ وفيها قتل شاب يدعى مالك ولد بوكرن .

أما العام 2019 فقد شهد مقتل شاب في متجره قبالة فندق موري سانتر ؛ وفي السنة ذاتها قتل الشاب ولدبرو وحرقت جثته.

وبعدها بعام اغتصبت الشابة أميمة منت محمد وتم التمثيل بجثتها وحرقها بعد ذلك؛ في أساليب لا تخلو من نزعة انتقام تتعدى الو سائل التقليدية لإخفاء الجر يمة !...

ظن الجميع أن الأمر لايعدو كونه تصفية حسابات بين مجموعة من الشباب المدن الذي يلجأ لتدقيق حساباته الخاصة تحت تأثير المخدرات. لكن حاثة القتل البشع لشبخ مسن وأديب وأكادديمي معروف بالطريقة ذاتها في الحي الإداري ليلة الجمعة الماضية؛ أعادت طرح السؤال من جديد وبأسلوب مختلف ..فمن يقف فعلا وراء القتل بهذه الأساليب الوحشة؟.

شارعً محتار:

زادت التفسيرات التي قدمتها الشرطة الأمر غموضا؛  ففي كل مرة يظهر أحدضباط الأمن لبقول بأن المجرمين أصحاب سوابق..فمن يقف وراء إطلاق صراحهم إذن ؟...هذا السؤال أعاد إلى الواجهة نظرية المؤامرة بقوة .فالأمر في نظر كثيرين لا يخلو من إحتمالين: إما التواطئ مع الجناة أو العجز عن تصدي لهم .

ثمة من يرى أن في لعبة القتل هذه محاولة  لعودة الرئيس السابق على جثث ضحايا السكاكين وإظهار عجز خلفه عن إيقاف نزيف الموت غيلة الذي لونت دماؤه جميع شوارع العاصمة؛  وأخذ يتمدد خارج حيزها الجغرافي..كما حدث في نواذيبو مثلا وفي غيرها من مدن وبلدان هذا الوطن الجريج.

مهما يكن من أمر فإن الوضع لم بعد يحتمل التأجيل؛ حتى ولو كلف ذلك تطبيق سياسة الجارة الجنوبية؛ بعد أن عجز جهاز الشرطة فيها في ثمانينيات القرن الماضي عن وقف سلسلة الهجمات الليلة على منازل موا طنيها.. حينها أخذ الرئيس السابق عبد جوف قراره الشجاع بوقف نزيف القتل الذي أرعب كل ساكنة السنغال..فهل تستطيع موريتانيا فعلا أن تضع حدا لكرونولوجية الموت بالسكاكين في عاصمتها. أم إن القادم سيفوق كل سينوريوهات الرعب في أفلام الخيال ؟...

اثنين, 07/06/2021 - 11:29

          ​