نور الدين محمدو يكتب عن تاريخ ونشأة "إلى الأمام"

التحدث بالنعم شكر ...

وشحذ الهِمَم مطلوب ...

ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله ...

والشهادة للتاريخ والحكم لله ...

21 مايو 2017:

جلست مجموعة، تتألف من 19 مواطنًا موريتانيا، لا أذكر أن قبيلة واحدة ولا جِهة مُعيّنة تجمع ثلاثة منهم، ولا أعلم مصلحة مادية معروفة تشرك اثنين منهم، ولم أرَ حَظًّا واحدًا من حظوظ النفس والدنيا يستقدم واحِدًا منهم ... عدى النهوض الجماعي بهذا الوطن إلى مصاف الأمم المتقدمة واقتلاعه من براثن الرداءة والإنحطاط والتخلف ... إلْتَأمُوا بدعوة من كاتب هذه السطور، في قاعة في قندق بالعاصمة، يتدارسون حال موريتانيا بحقَّانية، ويتأملون بصدق وموضوعية في دقائق مآلات إصلاح أمورها وتلافي مستقبل أجيالها القادمة ... فوافقوا على فكرة إطلاق عمل إصلاحي غير مسبوق في هذا البلد: إعادة بناء شاملة، جامعة مانعة للدولة الوطنية المركزية في موريتانيا. من خلال البت في كل مواطن الخلل ومكامن الزلل في جسد الدولة الموريتانية الحالية. والبحث عن ردم الهوة بين الموجود والمفقود في كل الميادين التي تقوم عليها الدُّول الحديثة. فكان مولد فكرة مشروع "إلى الأمام ... موريتانيا"، التي لم تكن كلمة "مشروع" فيها اعتباطية ولا مُحاكاة ولا موضة، لأنها كانت عين "الشُّروع" في عمل بحثي واستقصائي جاد ومُضني، متجرد من أي تموقع سياسي (معارض أو موالٍ) ومن كل حساسية فكرية، إيديولوجية أو من أي انتماء أضيق من الوطن، ينظر بعين الموضوعية ويقرأ بلسان الإنصاف.

يوليو 2017:

تشكلت نواة فكرية تتألف من 7 لجان علمية متخصصة تدرس حالة بعضٍ من أساسيات مجالات الدولة الحديثة، تم ترتيبها حسب أولويات أصحاب الفكرة: العدالة، اللحمة الوطنية، التربية والتعليم، الصحة، الدفاع والأمن والديبلوماسية، الدستور، ثم الإقتصاد والمالية.

سبتمبر 2017:

إزدهرت أعمال لجان المشروع وانتشت اجتماعاتها وتسارعت ورشاتها واشتدت وتيرة أعمالها وازداد المشروع بعشرات الأطر المتميزين وازدان بأفكار جديدة ومقاربات حصيفة و أفهام دامغة وبمقاربات عقلانية ناهضة ... فتوسعت لجانه وتكاثرت. فظهرت إلى جانب اللجان السبع الأُوَّل، ثمان لجان علمية واستقصائية أخرى: إنشطرت لجنة "الإقتصاد والمالية" إلى لجنة "المالية الوطنية"، ولجنة "الإقتصاد والتنمية"، وتحورت اللحمة الوطنية إلى وحدة وطنية، وطرأت لجنة الشؤون الإجتماعية والأسرة، و استحدثت لجان: الشباب والإعلام والثقافة والفنون والرياضة، وانقسمت لجنة "التربية والتعليم" إلى لجنتي: التربية وحدها و "التعليم العالي والتكوين" لوحدها. بالإضافة إلى 4 لجان خاصة بإدارة المشروع: إدارية ومالية، تنظيم وتطوير، لجنة للإعلام الداخلي، ولجنة مخصصة لشبكات التواصل الإجتماعي. فكانت حينها كل لجان المشروع 19، تمامًا مثل عدد الأشخاص المؤسسين للمشروع يومه الاول! سبحان الله. فكانت اللجان الفكرية كخلايا النمل الدؤوبة في مقر المشروع، وتوالت الليالي البيض بمقره وتكدست تقاريره وتنوعت عروضه ...

نفمبر 2017:

كَثُر رواد مقر المشروع وتزاحمت فيه الأشغال والإجتماعات، وكثرت النقاشات والتحليلات في نحو 30 مجموعة واتساب كانت تُثار فيها تفاصيل مشاكل النهوض بالأمة الموريتانية وتقدم دولتها الحديثة، فشارك أهل الداخل بأخبارهم ومُعاشِهم ومشاكلهم يومياتهم، وأثرى أهل الخارج بتجاربهم وأنبائهم، وتشكلت مجموعات واتساب خاصة بكل ولاية من ولايات الوطن، ثم توسعت إلى 17 مجموعة خارجية بعدد جاليات المواطنين الموريتانيين المقيمين بالخارج، المهتمة بمشروع "إلى الامام ... موريتانيا" (آنغولا، المغرب، الجزائر، تونس، مصر، كاند، الإمارات، السعودية، السينغال، مالي، فرنسا، بلجيكا،إسبانيا، قطر ...)، فازدادت طلبات الإنتساب للمشروع، واكتظ موقعه الالكتروني وقاعة اجتماعاته بطلبات الإنتساب والعضوية واشتد الضغط على خلايا الإنتساب وعلى اللجنة الإدارية التابعين لها...كل هذا بعيدا عن الإعلام والأضواء. فاجتمع المجلس التأسيسي مرة ثانية وجدد النصوص والهيئات، وأقر تاريخا للإعلان الرسمي عن المشروع للرأي العام الوطني، يوم 1 يناير 2018. فكان الحدث عَصرًا بفندق انواكشوط، حضره نحو 300 شخصا، حتى بقي عشرات نشطاء المشروع لا يجدون مقعدا يجلسون عليه، وبعض الضيوف يتبادلون المقاعد، فحضر التأسيس جمع غفير ومتنوع من الموريتانيين، من شتى المقامات والمواقف السياسية والمهنية والإديولوجيات الفكرية (معارضة، موالاة، مجتمع مدني، محافظين، ليبراليين، نقابيين، ...). فَكُنْتَ ترى "باي بيخا" رحمه الله يجلس إلى جانب داوود ولد احمد عيشه ومريم داداه بالصف الأول، وجلس محمد محمود ولد سيدي رئيس حزب تواصل المنتخب حينئذ في الطرف الأيمن، وكان قريب منه عبد السلام ولد حرمه رئيس حزب الصواب، بالإضافة إلى جمع غفير من الساسة وصناع القرار المتقاعدين وغير المتقاعدين في الدولة العميقة وحواشيها، ومن المهتمين بالشأن العام من الشباب والشيب، فكان إعلانًا رسميا لمولد فكرة عظيمة، غطتها غالبية وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، بل وبعض المؤسسات الدولية. وسجل في ذلك اليوم وحده قرابة 200 انتساب للمشروع بين الإستمارات المملوءة فورًا ومواثيق الشرف المُوقعة لاحقا ...

14 نفمبر 2017:

تم إيداع ملف مكتمل (بل زائد) لحزب "موريتانيا إلى الأمام" عند وزارة الداخلية، بعد أن طلبتْ تنقيحه وتحسينه ... كتكملة نهائية لهيكلة المشروع ذات الثلاثة أذرع: الذراعة الفكرية الإصلاحية المُؤَسِّسَة للمشروع (جمعية نادي إعادة البناء المُرخصة) المتجدسة في اللجان العلمية الخمس عشرة التي أنتجت حينها نحو 700 فكرة إصلاحية متفرقة في كافة ميادين الدولة الوطنية. الذراع الخيرية (جمعيتين خيريتين مُرخصتين)، وثالثهما الذراع السياسية متجسدة في حزب "موريتانيا إلى الأمام" الذي ينتظر الترخيص منذ ذلك التاريخ حتى كتابة هذه السطور، حيث تنبثق وتتغذى كل مبادئه وسياساته من النواة الفكرية الإصلاحية التي تم نسجها وبناؤها خلال الفترات المتلاحقة.

- يونيو 2018:

وقفة احتجاجية سلمية أمام وزارة الداخلية للمطالبة بترخيص الحزب بعد تخطي الآجال القانونية المنصوص عليها في المادة 12 من القانون، بشكل كبير. تعمدنا ألا نحشد لها أكثر من 40 شخصًا مُكتفين برمزيتها، دون دعوة وسائل الإعلام.

- نهاية 2018 :

مشاركة "تجريبية" في الإنتخابات النيابية والجهوية والبلدية، عن طريق شراكة كريمة من الحزب " الموريتاني للعدالة والديموقراطية"، نظرا لمماطلة الوزارة لنا، فلم نكن على استعداد مادي ولا معنوي ولا جماهري لدخول السباق والمنافسة بشكل قوي، بسبب تَلَكُّئِ الوزارة ومماطلتها لنا ووعود وزير الداخلية الكاذبة حينها، ومع ذلك حصدنا 860 صوتا في نيابيات انواكشوط، متفوقين على نحو 50 حزبا سياسيا مُرَخَّصًا حينئذٍ، و مئات الأصوات بين بلديتي لكصر والسبخة، ونحو 4000 صوتًا في اللائحة الوطنية للنساء و نحو 5000 في اللائحة الوطنية المختلطة، بالإضافة لحصدنا لأكثر من 1300 صوتًا في لائحة المجلس الجهوي لنواكشوط. كل هذا بخيمة واحدة مبنية أمام مقرنا الوحيد بنواكشوط، وبدون ميزانية مرصودة للحملة.

- منذ 2019 حتى الآن:

ومنذ ذلك التاريخ و مشروع "حزب موريتانيا إلى الأمام" يراسل وزارة الداخلية (عشرات الرسائل دون جواب)، كان آخرها قبل أشهر من الآن، رسالة تُعلن توقفنا عن مراسلة وزير الداخلية بشكل مكتوب، تمت إحالة نسخ منها (التسليمات كُلها بحوزتنا للتاريخ)، لكل رؤساء مؤسسات الجمهورية الدستورية: رئيس الجمهورية (رئيس المجلس الأعلى للقضاء)، رئيس الحكومة، رئيس البرلمان، رئيس المجلس الدستوري، رئيس المحكمة العليا، رئيس مؤسسة المعارضة الديموقراطية. كما تم استغلال هذه الفترة الزمنية الطويلة في نسج علاقات طيبة وثمينة مع قادة الرأي ونشطاء الشأن العام، إضافة إلى كثير من النشاطات الخيرية (السقاية، التعليم والتأطير في انواكشوط وانواذيبو، سلات الغذاء ورمضان، كسوة العيد واليتامى، توجيه الطلاب والتلاميذ ودروس التقوية، كسوة ضحايا حريق الورف، تنظيم يوم لبنك الدم أمام مقر المشروع...) وعقد بعض الندوات الفكرية والسياسية (الوحدة الوطنية، معايير الرئيس الأفضل لموريتانيا، ...)، إلى جانب كثير من المباحثات واللقاءات والتفاهمات (كان من آخرها توقيع اتفاق على مسودة بنود حوار مع شباب حركة "كفانا"، والاتفاق البدئي لتأسيس منسقية "أحزاب محرومة ظُلمًا من الترخيص" مع مشورع حزب "الخيار الوطني")، والإستماع لشخصيات وطنية وازنة في الشأن العام ذات الشهادات المهمة حول ماضي وحاضر هذا البلد، والإستفادة من نصائحها وخبراتها وقراءتها للمشهد. ومنذ ذلك الحين ومقر مشروع "إلى الأمام ... موريتانيا" وقلوب أعضاء لم تُغلق يومًا واحدا لله الحمد والمنة. تجدر الإشارة التاريخية إلى أن أعضاء مشروع "إلى الامام ... موريتانيا" صوتوا بالحياد خلال الإنتخابات الرئاسية لسنة 2019.

- أمس، 9 يونيو 2021 (أي ثلاث سنوات بعد الوقفة الأولى):

وقفة احتجاجية ثانية ناجحة بكل المقاييس لله الحمد، بنفس الساحة التي أصبحت تُسمى ساحة الحرية، تعمدنا ألا يزيد المشاركون فيها على 150 رغم حضور المشاركين من المناصرين الذين لم نكن نعرفهم، إذ جاءوا من تلقاء أنفسهم. فطالبنا مرة أخرى وبإلحاح شديد باحترام مقتضيات الدستور ذي الميزة الأساسية المتمثلة في التعددية الحزبية، واحترام القانون المنظم للأحزاب السياسية بترخيص حزب "موريتانيا إلى الأمام"، وغيره من الاحزاب والهيئات المُستحِقَّة. ودعونا بعض شركاءنا من منتخبين وجمعيات وحركات وتيارت وطنية، فلبوا الدعوة مشكورين، كما لبت كل وسائل الإعلام المحلية والدولية (إلا واحدة أو اثنيتن) دعوتنا لتغطية هذه الوقف، وتم نشرها خلال الساعة الأولى على حوالي 20 موقعًا إلكترونيا محليا.

- خلال الفترات المقبلة بمشيئة الله:

إن تم ترخيص حزب "موريتانيا إلى الأمام"، وهو ما نرجوه ونتوقعه، فسندعو سريعا كافة الطيف السياسي لحضور مؤتمره العام، وسنشكل هيئاته بكل شفافية أمام الرأي العام الوطني، والدفع به كحزب جديد سيشكل نقلة نوعية في الساحة الحزبية بمشيئة الله وتوفيقه.

وإن لم يُرخص حزب "موريتانيا إلى الأمام" وتواصل ظلم منتسبيه وازدراؤهم، فإننا نتوقع مواصلة وتنويع الإحتجاجات السلمية، وإضافة الإعتصامات المتحضرة، التي سيُدعى لها كافة (وليس بعض) الشركاء الوطننيين من أحزاب وهيئات ونقابات ... وستصل إلى مئات، وقد تتسع المُطالبات إلى إقالة وزير الداخلية واللا مركزية ومعاقبته على خرق القانون وتعطيل مقتضيات الدستور ...

- فإن لم يستجب النظام بعدها لهذه الحقوق الأساسية الدستورية والقانونية، فإننا سنعمل باستماتة حقيقية على تنظيم سلسلة احتجاجات ووقفات واعتصامات بالآلاف بساحة الحرية، وعلى الجميع توقع مطالبات جديدة ومتنوعة، تتناغم مع طبيعة الإزدراء وحجم الظلم ومرارة الحسرة والضيم، من قبيل إقالة الحكومة أو استقالة رئيس الجمهورية ... والله أعلم بما ستدعوا له الجموع المحتشدة بعد ذلك.

وما ضاع حق وراء طالب،

والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

و إلى الأمام يا وطني ... موريتانيا إلى الأمام ...

د. نورالدين محمدو

المنسق العام لمشروع "إلى الأمام ... موريتانيا"

الرئيس المؤقت لمشروع حزب "موريتانيا إلى الأمام" الذي ينتظر الترخيص منذ 4 سنوات، ظلمًا وحيفًا.

نواكشوط، 10 يونيو 2021

خميس, 10/06/2021 - 14:27

          ​