موريتانيا.. معاناة السجناء تتفاقم ولاحل في الأفق

محمد الامين إسلم تعلو محيا السجينة فاطمة بنت سيد (اسم مستعار)، حالة من اليأس والقنوط، بينما تقبع داخل زنزانتها الانفرادية في سجن النساء بعرفات في العاصمة الموريتانية نواكشوط، حيث صرحت بأن الظروف المعيشية متدنية، و أن معاناتهم لم تجد في بعض الأحيان آذاناً صاغية لدى إدارة السجن، على الرغم من العرائض الكثيرة التي رفعوها، رفقة العديد من السجينات.

استطعنا بعد جهود مضنية التواصل معها والحديث معها عن واقع السجن وما تعيشه ويعيشه زميلاتها داخل زنزانتها الانفرادية.

ترفض بنت سيدي ذكر اسمها، خوفاً من التعرض لمزيد من التجاوزات في محبسها، لكنها تتمنى أن ينقذ أحدهم حياة سجينات يعانين الأمرين، بعد أن تدهورت صحة أغلبهن بشكل كبير، منذ وصولهن إلى السجن قبل ثلاثة أعوام، والبعض الآخر منذ أشهر معدودوة.

 

وتضيف بنت سيدي خلال حديثها لنا: "مما لاشك فيه أن بعض الظروف تحسنت خلال الأشهر الأخيرة لكننا نطالب بالمزيد".

 

وفي سردها لبعض المعاناة التي تعاني منها السجينات تقول بنت سيدي إنهن يعانين في بعض الأحيان من التحرش اللفظي، وعدم توصيل الدواء لهن رغم أن بعضهن يعاني أمراضا مزمنة لايمكنه قطع الدواء ولو ليوم واحد.


وتضيف بنت سيدي:  "الغذاء المخصص للسجينات قليل جداً، وليست له أي قيمة، وهو ما يهدد حياتنا، لذلك نخشى من الأمراض التي قد تنتشر بسبب القمامة الملقاة داخل ممرات السجن وباحاته، وتعطل دورات المياه في أكثر الأوقات".

 

حاولنا التواصل مع أحد نزلاء السجن المركزي ومركز إيواء وإعادة تأهيل القصر لكننا لم نستطع لصعوبة الوصول لهما ولعدم تعاون إداراتهما.

 

زيارات ميدانية

وقبل أيام أعلنت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان (هيئة حكومية) عن سلسة زيارات تفقدية للسجناء في موريتانيا، مفتتحة تلك الزيارات بسجن النساء في مقاطعة عرفات بولاية نواكشوط الجنوبية.

 

وقال رئيس اللجنة أحمد سالم بوحبيني "نقوم حاليا بزيارة للسجون في موريتانيا حيث تدخل في إطار الحملة التي أطلقتها اللجنة بالتنسيق مع وزارة العدل للإطلاع على أحوال السجون".
 
وأكد ولد بوحبيني، أن هدف الزيارات هو الاطلاع على وضعية السجناء وظروفهم الإنسانية، مشيرا إلى أن وضعية نساء سجن عرفات قد تحسنت مقارنة بالزيارة السابقة، بحسب ما أكدت له السجينات.
 
وأضاف ولد بوحبيني أنه سيتم التعاون مع عدة جهات في ما يخص تأهيل السجينات والسجون للالتزام بالمعايير القانونية والإنسانية.

و تعهد ولد بوحبيني بالعمل على إعداد برامج لتكوين وتأطير السجناء بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي الموريتانية.
 
وقال ولد بوحبيني إن هذا البرنامج سيشمل جميع السجون في موريتانيا.


وأضاف: "لقد قمنا سابقا بمسح شامل لوضعية السجون، وزرت جميع السجون في البلد، وسجلنا كل النواقص، مردفا أنه يوجد اكتظاظ في السجون، ويجب إيجاد حلول، فأحد السجون في (العاصمة) نواكشوط صُمم ليستقبل 300 سجين فقط، بينما يوجد فيه نحو 700 سجينا".

 

سجون مكتظة

وفي تقريره الحقوقي لعام 2020 الصادر يوم 9 يونيو الماضي قال المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان (مؤسسة غير حكومية) إن "السجون في موريتانيا هي عبارة عن مخازن بشرية، يُجمع فيها كبار المجرمين مع السجناء الاحتياطيين الذين ينتظرون المحاكمة، مشيرا إلى أنه لا توجد بها برامج استشفائية تعين متعاطيي المخدرات من المعتقلين على التخلص منها، بل إن تحوهلم إلى مدمنين داخل هذه السجون بات أسهل بسبب انتشار المخدرات داخل تلك المنشآت. 

 

وأكد المرصد أن ظروف السجون في موريتانيا سيئة من حيث تحولها من مراكز إعادة تأهيل وتربية إلى مدارس لتكوين المجرمين وانتشار المخدرات، مردفا أن ظروفها مهدِّدة للحياة من الناحية المعيشية والصحية. 

 

وقال المرصد في تقريره إن السجون ومراكز الاحتجاز شَكلت مكانا لانتهاك حقوق النزلاء والتعذيب بشكل واسع، بالإضافة إلى انعدام التغذية وتغطية الحاجات الضرورية لبقاء الإنسان على قيد الحياة.

 

 وأشار إلى أن السجون في موريتانيا عرفت حالات متكررة من التمرد والعصيان من طرف السجناء، نتيجة الظروف السيئة ورد الفعل العنيف والمعاملة غير الإنسانية من طرف الإدارة والسجانين. 

 

وأكد المرصد في تقريره السنوي أن "القانون الموريتاني ينص على أن  السلطات يجب عليها أن تبلغ الموقوف بلائحة التهم الموجة إليه فور سلبه حريته، إلا أن النظام الحاكم لا يلتزم بذلك، ولا يبلّغ الموقوف بلائحة تلك التهم إلا بعد انتهاء التحقيقات في كثير من الأحيان. وبالنسبة لمدد انتظار السجناء للمحاكمة فإنها طويلة في مجملها، وملفات المعتقلين غير مرتبة زمنيا ولا مضبوطة إدارياً. وعلى الرغم من أن القانون لا يجيز حبس القصر لأكثر من ستة أشهر في انتظار المحاكمة، إلا أن هذه الفترة الزمنية لا يتم احترامها في حالات كثيرة".
 
إحصائيات رسمية

 

وصل العدد الإجمالي للسجناء على عموم التراب الموريتاني، إلى 2023 سجينا موزعين على 23 مؤسسة سجنية، 3 منها استحدثت لتخفيف الضغط على المؤسسات الموجودة أصلا، حسب ما أعلنت عنه مديرية الشؤون الجنائية والسجون.

 

ويتوزع السجناء على أربعة سجون في العاصمة نواكشوط، هي سجن دار النعيم وتبلغ سعته الأصلية 350 سجينا ويوجد به الآن 635 سجينا، والسجن المركزي، الذي تبلغ سعته الأصلية 150، ويوجد به الآن 94 سجينا.

 

أما السجن النسائي بعرفات، فتبلغ سعته الأصلية 40 سجينة، ويوجد به الآن 21 سجينة، وسجن القصر أو المركز المغلق للأطفال المتنازعين مع القانون والذي يوجد به الآن 63 سجينا.

 

ويتوزع باقي السجناء على المؤسسات السجنية في الداخل، والتي تتراوح سعة سجونها مابين 650 و40 سجينا، فيما يتراوح عدد السجناء الموجودين بها الآن مابين 450 و32 سجينا.


 وطالب رئيس المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان أحمد سالم ولد محمد عالي وزارة العدل الموريتانية ببناء سجون تتماشى مع المتطلبات المعمارية الدولية.

كما أشار ولد محمد عالي إلى أنه يجب فصل السجناء البالغين عن القصر بشكل صارم، وفصل الرجال عن النساء، وتأمين طاقم نسائي متكامل للإشراف المباشر على المعتقلات.

 

وقال ولد محمد عالي إنه على إدارة السجون أن تقوم بالفصل بين "عتاة المجرمين" و السجناء حديثي العهد بالجريمة، وضبط سلوك السجناء بشكل يضمن قضاء فترة إصلاحهم وإعادة تأهيلهم المفترضة بنجاح.

 

وطالب ولد محمد عالي بإنشاء هيئة مستقلة للإشراف على السجون.

وأردف ولد محمد عالي أن إدارة السجون يجب عليها أن توفر مصحات استشفائية داخل السجون للإشراف على متعاطيي المخدرات، لمعالجتهم من الإدمان على هذه المواد السامة، ومساعدتهم على التخلص من آثارها.  

 

وأضاف ولد محمد عالي أنه يجب إيقاف التعذيب والوضعية المكتظة غير الإنسانية في مراكز احتجاز الأمن والشرطة والدرك، وهي الانتهاكات التي لا تزال تقع بشكل منتظم، وكذلك العمل على بناء رؤية جديدة لدى المؤسسة السجنية ترتكز على التأهيل، والتثقيف بمكانة حقوق السجناء بوصفها حقا أساسيا من حقوق الإنسان، فقد تحولت السجون الموريتانية في السنوات الأخيرة إلى مؤسسة تخريج للمجرمين ومتعاطيي المخدرات، بدل أن تكون مؤسسة تعليم وإعادة تأهيل وتربية تردع السجين وتنقذه من العودة إلى الجريمة، وتمارس نوعا من الوقاية للمجتمع من انتشارها.

 

تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا

 

جمعة, 09/07/2021 - 18:42

          ​