تجري إعادة صياغة للأدوار على المستوى الأمني في منطقة الساحل، وقد كانت هذه القضية الحساسة، في قلب المناقشات بين الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، ورئيس النيجر محمد بازوم الذي وصل إلى الجزائر العاصمة الاثنين الماضي، بعد لقائه في برلين مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، يوم الجمعة 9 يوليو، وفي باريس، كذلك في نفس اليوم، مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى جانب القمة الافتراضية لرؤساء دول مجموعة الساحل الخمس (بوركينا وموريتانيا ومالي وتشاد).
تبحث الاستراتيجية الجديدة لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل عن طرق ووسائل لتحقيق أهدافها، الأمر الذي ثبت أنه من الصعب تحقيقه في سياق أزمة اقتصادية وتنموية وصحية تواجهها المنطقة، بالتالي أصبح واضحا، بالنسبة للدول الغربية المنخرطة في هذه المعركة، وفرنسا على وجه الخصوص، أنها لم تعد قادرة على الإنفاق ببذخ في عملياتها الخارجية، دون تحقيق تقدم يذكر، حيث لا تزال الجماعات المسلحة تزيد من نشاطها، ويتوسع نفوذها في المنطقة.
في الحقيقة، لايزال الوضع الأمني في منطقة الساحل يزداد تعقيدًا يوما بعد يوم، لاسيما على الحدود الثلاثية بين بوركينا فاسو، مالي والنيجر، أو ما يعرف بحوض بحيرة تشاد، إضافة إلى جانب الحدود مع ليبيا، كما أشار قادة دول الساحل إلى ذلك خلال القمة الأخيرة، حيث عبروا عن قلقهم من أن تخرج المنطقة عن نطاق السيطرة، بعد عودة القوات المرتزقة التي كانت تشارك في الحرب الأهلية الليبية.
يوجد قلق كبير لدى فرنسا والدول الغربية، يشبه الاعتراف بالفشل، هو ما دفعها إلى تقليص عدد قواتها في المنطقة، وإلغاء عملية برخان، والسعي لتطبيق استراتيجية جديدة أكثر فاعلية وأقل تكلفة.
والآن توصلت الدول الغربية إلى استنتاج مفاده أنه بدون المشاركة العسكرية للدول الإقليمية، فضلاً عن إشراك السكان المحليين، لن تتمكن أبدًا من النجاح في مكافحة العنف والعمليات الإرهابية المستمرة في هذه المنطقة الصحراوية الشاسعة (ما يقرب من ثلاثة ملايين كيلومتر مربع)، أو تحقيق الفعالية في القتال ضد الجماعات الجهادية، التي تتجه، بعد هزيمتها في الشرق الأوسط، إلى الاستقرار بشكل دائم في هذه المنطقة، حيث يصعب للغاية تحديد مواقعها دون مساعدة الطائرات بدون طيار والأقمار الصناعية.
أصبحت الأمور الآن واضحة، خصوصا بعد زيارة رئيس النيجر، محمد بازوم، يوم الاثنين الماضي إلى الجزائر، بصحبة وفد رفيع المستوى، وناقش خلال هذه الزيارة، مع الرئيس الجزائري، طريقة وضع استراتيجية جديدة لمحاربة الإرهاب في المنطقة، وتحقيق الاستقرار.
الجزائر هي الدولة الإقليمية الأقرب استراتيجيا إلى منطقة الساحل، بحكم قوتها الاقتصادية والعسكرية، ووجودها على خط التماس مع المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة، إضافة إلى خبرتها في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، ومقاربتها الأمنية التي ساهمت بتمكينها من حماية حدودها، رغم التهديدات المستمرة.
لقد طُلب دعم الجزائر منذ سنوات في هذا السياق، لكن الجزائر فضلت دائمًا طرقًا ووسائل أخرى، تختلف عن تلك التي تستخدمها فرنسا مثلا، حيث ساعدت الجزائر من خلال تقديم الدعم اللوجستي لدول مجموعة الساحل الخمسة، في مواجهة الإرهاب، ومكافحة تهريب المخدرات والبشر.
اليوم، وبعد إلغاء عملية برخان، وإعلان فرنسا تقليص عدد جنودها في المنطقة، أصبح الدعم العسكري الجزائري للقوات المشتركة لدول الساحل، أهم منه في أي وقت مضى، ومن المتوقع أن يساهم بشكل فعال، في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، ووضع حد نهائي لأعمال العنف الدامية في المنطقة.