لا شك أن الفضاء المفتوح للإعلام الاجتماعي بواسطة الانترنيت وبفضل الشبكة العنكبوتية خلق وأتاح فضاءات جديدة غير مسبوقة للحرية بكل أشكال التعبير وسرع وتيرة التقارب بين الشعوب والثقافات والهموم والمخاوف، وأتاح طرقا مبتكرة للمكاشفة بالحوار والتبادل والإثراء بقرب مصطنع ولكنه جازي.
كل هذا ساهم في انتشار الوعي الشمولي بسرعة الضوء وقضى على التحجر والتشبث الأرعن المتخلف بـ”الخصوصيات” الكاذبة و”وهم” التفوق العرقي والحضاري والعلمي والثقافي الذي تشبث به و ما زال يفعل ـ بعقدة الاستعلاء الواهية ـ الغرب الجاحد نعمة الشرق.
وهذه الحقيقة أدركها الأسيويون، وإن كانوا في البدء كانوا روادا حضاريين قبل التقهقر الذي عانوه في حقبة القرون الوسطى واستمر حتى مطلع القرن العشرين والتحرر من جديد والتخلص من هيمنة الغرب لاستدراك مدفون العبقرية والإبداع الذي امتلكوه ذات يوم فاخترعوا الورق مالا وللكتابة والتدوين، والبارود الذي ألهب حماس أصحاب ماركو بولو الرحالة حتى سافروا إلى الصين لجلبه.
والمتتبع لمجريات التطور في أمريكا الجنوبية لا بد أن يدرك حقيقة ما جرى من تحول كبير وعميق في الوعي عم قارة الثورات العنيفة، شيكي فارتا وفيدال كسترو وغيرهما من الادباء والكتاب اللامعين ومنهم من هجر “الواقعية السحرية” من بعد جيل “البوم” أو “الانفجار” الذي دشنه غابرييل ماركيز في “مئة عام من العزلة”، والسياسيين المخضرمين والقادة المبرزين والعلماء الألمعيين في كل العلوم من الطب إلى الحسوب.
وهذا الوعي العلمي أدركته أيضا بعض دول إفريقيا فحققت إعجازا في نهضتها كـ”روندا” و”جنوب إفريقيا” و”تانزانيا” و”إيثيوبيا” و”المغرب”، وهي في مسارها الصحيح الذي اختارته تسارع إلى اللحاق بالدول النامية.
ولكن كثيرة هي الدول التي ما والت ترزح تحت وطأة التخلف والبعد عن الأخذ بالعلم ومسببات العي المدني الذي يقود إلى نبذ الكسل والقوالب الماضوية المثبطة بتراتبيتها الظالمة ومنطقها الفج الذي تحمله اللغات المتخلفة ذات المفردات المتجاوزة بمعانيها المقيدة.
وتتميز هذه الدول دون سواها بضعف المسار الثقافي فيها وخور الإعلام كرافعة مكينة وسلطة رابعة موجهة،ناصحة، ناقدة ورادعة. فكلما كان الإعلام حاضرا بمهنية ومصداقية وجرأة وإنصاف، كلما كان ذلك محفزا لـ”لحكامات” على المضي قدما وبثقة – يحدثها رافدا الإعلام والثقافة على العادة – في بناء “صروح” بلدانها وللثقافة وفتح “باب” إلى الانتشار والسمو بالعقول إلى الإبداع الذي يحرر من الظلامية والانحسارية فيصبح الطبيب و المهندس والرياضي كتابا لامعين يصدرون كنه معارفهم التقنية إلى العقول القارئة ويصبح الكاتب طبيبا ومهندسا ورياضيا لتنعم البلاد بفيض عقولها المتبصرة وتحقق التطور المنشود والنمو المنتظر والعدالة المشتهاة، وتفرض احترام الإنسان على قدرعطائه ومشاركته وإخلاصه لوطنه.
لكن المتتبع لحال الإعلام والثقافة بمفهوميها الشامل، في هذه البلاد، لا بد أن ينفطر قلبه لسوء حالهما وتأخرهما عن لعب دوريهما في بناء تأجل “ستين سنة” خلت من الاستقلال تحت دثار “التغني” بأمجاد أمة “الأجداد” التي خلت و”الإدعائية” المفرطة التي باتت لا تنطلي على أحد ممن كانت تباع لهم “شنقيط” في قوالب مكررة ممجوجة قبض ثمنها متناقصا وفي تناقص مثير.
وفيما يتجلى خور الإعلام في سوء المخرج “محتوى” و”شكلا” وبعدا عن “المهنية” وخرقا لـ”أخلاقيات” المهنة حيث يحترفه الكثيرون للكسب البسيط، الحقيقة أدركها رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني عند أول وهلة وهو الخبير بشأن الصحافة وأبعاد رسالتها وقد أسس في الجيش لإعلام رفيع المستوى و المخرج ثم عهد إلى لجنة شكلها لتشخيص وضعية الصحافة برسم تصحيح المسار وتنقية حقله، قدمت تقريرها ولاحقا ستدخل حيز التنفيذ؛
فإن حال الثقافة أنكى وأمر حيث الأدب مطية للنفاق والتزلف والتكسب المفضوح، والتأليف في كل دروب المعرفة “أعيى” العقول “المدعية” و”أسقط” الإفهام “المصطنع” بلغة لا تلبي غاية “توضيحية” أو أخرى “مقاصدية” ولا مكتبات تعرض الكتب ولا مطابع تطبعها ولا سوق توزعها ولا حلقات نقدية تقيمها.
وما الفنون بمعناها الواسع الشامل ـ فكما لم تكن يوما ـ ما زالت غائبة لا تعرف إلى مسارحها ودورها وفضاءاتها سبيلا، لا مسارح ومسرحيات ولا مهرجانات سينمائية وأفلام إبداعية ودور عرض تفي بالغاية، ولا معارض فنية ولا متاحف متخصصة.
في مبادرة غير مدروسة باع البعض المدن القديمة رخيصة بـ”مهرجان” مكلف على حساب الخزينة وكاهل المواطن الذي يدفع فوق ما يُعطى لاستضافة المدعوين، وتكاليف الدورة بعيدا عن المواطن البسيط. وأما النتيجة فدمار كل عام أكثر للمدن بالصخب والتلويث بالقمامة من بقايا المعلبات وغيرها التي تستجلب من الآثار التي تحمل على أكتافها القرون. وأما المخرجات فـ”قص” مشين مما سبق مجه وتكراره و”لصق” مريع في محاكاة تحيين بالتقليد الواهن لا يزيد ولا يضيف قيمة.
وتبقى جائزة “شنقيط” مدعاة للتصحيح والصرامة والتنويع في البحوث الغير مسبوقة والغير مكررة المواضيع التي لا ترفع مستوى معرفيا.
وأما اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين فزيارة لمقره تشي لوحدها بغياب “الأدب” وموت “الإبداع” وتهافت على “الميزانية” السنوية من الخزينة العامة، وأولى بمبالغها مجال التعليم والتغطية الصحية.