مِن حِمار "منت البار" إلى كلب "منتان" شعراء وشواذ ومسوخ...
في الأعوام القليلة الماضية انتشرت موضة "الرجال الكلاب" في الغرب بشكل كبير، لقد وصلت هذه الموضة إلى موريتانيا مع بعض الفوارق سنذكرها لاحقا.
الرجال الكلاب في الغرب هم مجموعة من الناس تقمصوا دور الكلاب في حياتهم اليومية، يأكلون كما تأكل الكلاب، وينامون في أقفاص الكلاب، ويلبسون ملابس تقلد جلود الكلاب، ينبحون، لكل منهم سيده الذي يمسك قلادته ليتبعه تماما كما تفعل الكلاب الحقيقية. بعض هؤلاء الرجال الكلاب تزوجو من سيداتهم ليس بوصفهم رجالا وإنما بوصفهم كلابا.
يفتك الجهل بالمقلدين منا للغرب، فالكثير منا لا يعرف المدلولات الحقيقية لتربية الكلاب في ثقافة الغرب.
إن تربية الكلاب لها غايات جنسية أكثر من أي شيئ آخر، إن مضاجعة الكلاب في المنزل أمر معروف في هذه المجتمعات. هناك أصناف من الكلاب يتم اختيارها بحسب رغبة الشخص في نوع الفعل الجنسي الذي يريده مع الكلب (مضاجعة، لعق، عناق، تقبيل...). يقال أحياناً إن اختيار نوع الكلب يأتي بناء على ذوق جمالي وعاطفي من الشخص، يصدق هذا أحيانا لكن اختيار لنوع الوظيفة هو المطلوب الأول.
قبل سنوات قليلة ظهرت قضية زواج رجل من من كلبة بعد أن طلق الرجل زوجته . لقد بات الكثير من القضايا المطروحة على الفلسفة الأخلاقية المعاصرة يحتاج أجوبة تتعدى حدود الفلسفة التقليدية وتنفتح على حقول الأنثروبولوجيا والبيولوجيا، لكن هذه المعارف ما تزال عاجزة لأنها تنصلت من مبدأ "التكريم"، ذلك المبدأ الذي يفصلنا وحده عن البهائم.
هناك مبرران كبيران يحاول الرجال الكلاب من خلالهما إضفاء مسحة أخلاقية على "استكلابهم": المبرر الأول يقول أصحابه إن ما يقومون به هو من أجل لفت انتباه العالم إلى أهمية الكلاب. ويقول الثاني إن أهمية الأمر تكمن في وعيٍ إحساسي لتقمص دور الكلب ومعرفة المعاملة التي يتلقاها من البشر.
أول حالات ظهور "الاستكلاب البشرية المعاصرة في موريتانيا ظهرت قبل سنوات قليلة مع "نسوية" شهيرة تعانق كلبا وتضعه في حجرها. على الأرجح أن توقيت نشر تلك الصورة لم يكن بريئا أو أنه ينم عن جهل صاحبته بالأمر. بعد ذلك ظهر أحد الشباب الأغنياء في صور كثيرة وهو يفتخر بكلبه من فصيلة الراعي الألماني. هذه الفصيلة نفسها هي التي ستعلن "منتانة" قبل أيام قليلة أنها فقدت كلبا منها وطلبت المساعدة في العثور عليه لتبدأ الملحمة المجتمعية الكبرى: تمنى الكثيرون في تدويناتهم وردودهم على التدوينة لو كانوا كلابا تمسك منتانة بقلائدهم. سمعنا بعضهم ينبح نباح الكلاب. آخرون تطوعوا للبحث عن الكلب المفقود، وآخرون ابتدعو القصائد في التغني بأهمية هذا الكلب.
في تاريخنا الاجتماعي كانت بعض الحيوانات تمثل أساس حكايات حب حقيقية، لقد بلغ "سعيد ولد عبد الجليل" فوق الستين من عمره عندما بدأ يتعلم الشعر الشعبي (لغن) لكي يحظى بجلسة مع "منت البار"، لقد ابتكر قصة الحمار الشهيرة ليدخل من خلالها إلى قلب السيدة. تكرر ورود الحمار مرار في شعر الرجل حتى أصبح "ثيمة" خاصة بولد عبد الجليل. اليوم نجد بعضهم يتعلم الشعر لأجل "كلب منتانة" وبعضهم الآخر دَبّج القصائد التي تتحدث عن رغبته في أن يصبح "كلب منتانة".
إن "الكَلَبْ البشري" الذي يفسر الى حد كبير سبب مادية المجتمع الموريتاني المعاصر يجد تفسيره في ثقافة مجتمعنا. إن "كَلَبَ الفرج" حالة سُعارية جنسية لم تعد مدانةً اليوم بل أصبحت رمزا للدونجوانية المعاصرة. هذا السُّعار الجنسي يقف وراء كثير من حالات الخيانية الزوجية المنتشرة وكثير من أنماط الزواج المدينية التي لا تتجاوز يوما أو يومين وربما بضع ساعات فقط.
عندما يتمنى الرجل أن يصير كلبا لتأخذ "منتانة" بطوْقه يترجم حالة الكَلَب الكبيرة التي تنخر مجتمعنا والتي يغذيها انتشار المواد الجنسية الاباحية بدون رقابة من الدولة على تدفق المواد الجنسية على المواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي.
في الغرب، عندما تم سؤال المستكلبين عن شعورهم وقد أصبحوا "كلاباً" كان رد فعل أغلبهم أن الأمر يشبه كثيرا كون الشخص وقد أصبح مثليا أو متحول جنسيا.
بينت الإحصائيات أن أغلب الرجال الكلاب هم من الشواذ جنسيا، على الرغم من أن هناك أناس أسوياء التحقوا بهم . يقدر عددهم بمئات الآلاف وقد أصبحت توجد نوادي ومهرجانات ومسابقات خاصة بهم ومراكز لتعليم كيفية الاستكلاب البشري.
إنهم يتماهون مع الكلاب ويحاولون قدر المستطاع تشكيل هويتهم الاجتماعية على أنهم كلاب فهم يتفاعلون مع المكافأة التي تقدم لهم أو يعبرون عن غضبهم او فرحهم ومرحهم من خلال طريقة تحريك الذيل. كما أن لكل منهم شخص مالك يقوم بتربيته على أنه كلب حيث يقدم له طعامه في الإناء الخاص بالكلاب وينام في قفص الكلاب ويُسمح له مالكه بالتبرز كما يتبرز الكلب كما يقوم المالك بإمساك طوق الرجل الكلب ليخرج به في نزهة وبإمكان الشخص المستكلب أن يقفز على المارة في الطريق أو يتوقف ليشم بعض الأشياء تماما كما يفعل الكلب الطبيعي.
يحاول علماء الاجتماع فهم هذه الظاهرة سوسيولوجيا والتي باتت تنتشر بسرعة كبيرة. الحقيقة أن مجال بحث هذه الظاهرة هو من المجالات التي تتقاطع فيها السوسيولوجيا مع علم النفس حيث يبرز علم النفس الاجتماعي. هناك فرضيات في هذا المجال تتحدث عن النزعة "المازوشية" الكبيرة لدى المستكلبين تجعلهم يسعون إلى وضع "المفعول به" الذي يستجدي الرحمة من الآخرين ولا يجد السعادة إلا من خلال القهر أو يكون الطرف المفعول به (گورديگن سلبي).
تاريخيا، ظهرت هذه النزعة الكلبية منذ قديم الزمن مرتبطة بالممارسات الجنسية التي يكون بموجبها أحد الأفراد يتقمص دور الكلب في العملية الجنسية. ظلت هذه النزعات لفترة طويلة خاصة بمجموعات سرية تمارسها بعيدا عن الرقيب الاجتماعي ولكن طفرة التحلل الجنسي المشفوع بانتشار التواصل الحديث وموت الاخلاق التقليدية جعل القضية تظهر للعلن لتصبح بعد فترة وجيزة موضة اجتماعية أساسها الأول هو تفلت الغرائز الجنسية ومشاعية الجنس.
يرى بعض الباحثين أن التنشئة الاجتماعية السيئة أدت بكثير من هؤلاء إلى "الاستكلاب" حيث يحاولون التعويض عن فشلهم الاجتماعي بالتحول الى كائنات لا يعنيها المجتمع وقواعده في شيء حيث يصبحون كلابا لهم منطق تفاعلي خاص بهم يمكنهم من خلاله حيازة التعاطف والاهتمام اللذين فشلوا في حيازتهما عندما كانوا أشخاصا طبيعيين.
العديد من الكلاب البشرية يتحول من حبيب سابق أو خطيب لإحدى السيدات إلى كلب لها يمارس معها الجنس دون أن يكون ملزما بتحمل الأعباء التي يتحملها الرجال في علاقاتهم العاطفية مع النساء.
يرى باحثون آخرون ان انتشار هذه الموضة يتعلق بالبحث عن الشهرة والمال، ففي أحيان كثيرة يحاول المقصيون اجتماعيا لفت انتباه الناس إليهم عن طريق القيام بأعمال "غير اجتماعية" تجعلهم ينالون حظا كبيرا من حديث الناس عنهم. كما أن الأموال الكثيرة التي يجنيها الرجال الكلاب في الغرب من استكلابهم قد جعلت العديد من الناس يتجهون الى الاستكلاب قصد تحصيل ربح مادي من خلال قنواتهم على اليوتيوب مثلا او غيره من وسائل التواصل الاجتماعي.
قد يرى بعض الناس أن خمسة آلاف تفاعل مع كلب "منتانة" قبل أيام مجرد مزاح أو ترفيه أو.... لكنني أجدني مرغما في هذا المجال على تكرار مقولة دوركايم الشهيرة "إنَّ ما هو سوسيولوجي لا يُفَسَّرُ إلا بما هو سوسيولوجي" مضياف إليها تعدد عوامل التفسير على الرغم من قوة الاجتماعي فيها.
إن الموضة السخيفة التي يتبناها بعضنا تقول إن تربية كلب في البيت أمر حضري بينما تربية معزاة أو كبش هو أمر بدوي، لا مجال للمقارنة بين الفوائد التي نجنيها من تربية الغنم في البيوت (لحم للأكل، سماد طبيعي، ...) بتربية الكلاب (فضلات كريهة، عض للبشر...).
إنها حلقة جديدة من حلقات تردّي الجنس البشري. لم تكتفي المجتمعات الغربية بالزواج بالحيوانات ولا بالتحول الجنسي ولا الحمل من الأموات بل تعدت الأمر ليصبح الكثير من أفرادها يعرفون أنفسهم بوصفهم حيوانات. وها نحن في موريتانيا نسير بخطى حثيثة نفس الاتجاه.
قدو يبدو أكثر من خمسة آلاف تفاعل مع تدوينة "منتان" مؤشرا جيدا لحجم التفاهة الأخلاقية الني يعاني منها مجتمعنا. أكثر من نصف التعليقات هي إما إيحاءات جنسية ضمنية أو صريحة مما يعود بنا إلى الأساس النظري الذي انطلقت منه موضة الرجال الكلاب في الغرب، هذه الموضة وإن انطلقت في الغرب إلا أنها لها جذورا ثقافية واجتماعية عميقة في ثقافتنا والعديد من ثقافات العالم.
لا يَسمح للمستكلبين الموريتانيين وضعهم الاجتماعي والاصادي بالتحول على النمط الغربي وإن كانت الحدود الثقافية لا تشكل عائقا كبيرا لديهم. ربما لو أتحيت لهم الفرصة في المستقبل لشاهدناهم يبتكرون طرقا من الاستكلاب والخروج عن الأخلاق تفوق الذي شاهدناه في نخبتنا السياسية والثقافية.
بالنسبة لمجتمعنا، إنها حياة النخبة الفارغة هي حياة مجتمع الكلاب. عندما يتشاغل هؤلاء عن مواجهة شعب يحتضر وينشغلون عن مآسي الجوع والمرض في بلادهم ويتناسون الأخلاق الإسلامية "التكريمية" ليتباروا في خطب ود افتراضي لامرأة لا تعيرهم أي اهتمام فإن الوضع الأخلاقي الاجتماعي يكون قد أفلس أو دخل مرحبة الإفلاس تشبه الإفلاس الأخلاقي السياسي الذي دخلت فيه النخبة السياسية مؤخرا.
خِتاماً:
قال الله تعالى: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا.