تمكن باحثون سويسريون من تقديم معلومات متقدمة عمّا يُفكّر فيه الدماغ عندما نكون نائمين، بما يفتح نافذة أوسع على نوعية نشاط عقل الإنسان أثناء النوم.
وباستخدام نهج في نظم الذكاء الصناعي، يجمع بين التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI ومخطط كهرباء الدماغ EEG، تمكن الباحثون من فك تشفير نشاط الدماغ أثناء النوم.
ولم يقدّم باحثو جامعة جنيف فقط دليلاً على أن الدماغ يعمل بطاقة عالية أثناء النوم العميق في فرز مئات الآلاف من المعلومات التي تم تلقيها والتعامل معها ومعالجتها خلال اليوم، بل أفادوا أيضاً أنه عندما تُتاح للإنسان فرصة النوم العميق في الليل، يتمكن دماغه من تقييم كل هذه المعلومات والذكريات، ثم إجراء حوار بين مناطقه الدماغية المختلفة، والعمل على الاحتفاظ فقط بالأكثر فائدة منها للمرء، والتخلص من جميع المعلومات والذكريات التي لا جدوى منها لاحقاً.
ووفق ما تم نشره ضمن عدد 6 يوليو (تموز) الماضي من مجلة «نتشر كومينيكنشنس Nature Communications»، قال الباحثون ما ملخصه: «يساعد النوم على إعادة تنشيط عملية دمج المعلومات والذكريات المكتسبة حديثاً. ومع ذلك، فإن الطريقة التي يختار بها دماغنا المعلومات الجديرة بالملاحظة والاهتمام وإعادة المعالجة والحفظ أثناء فترة النوم، دون غيرها من المعلومات، لا تزال غير معروفة إلى حد كبير». وهذا كان موضوع الدراسة.
وقالوا ما مفاده: «إن ثمة معلومات يجدر بالمرء الاحتفاظ بها، لأنها ذات مردود ومكافأة إيجابية Rewarded Information في تعزيز البقاء وتجنب المخاطر والحصول على المال والمديح والطعام، وأخرى لا مكافأة Non - Rewarded Information من ورائها أو حفظها في الذاكرة.
وتكشف دراستنا عن حصول آلية عصبية يتم من خلالها تعامل الدماغ أثناء النوم بشكل تفضيلي مع المعلومات والذكريات ذات المردود والمكافأة الإيجابية بغية تعزيز حفظها».
وضمن تفاصيل الدراسة السويسرية الحديثة، شرحت البروفسورة صوفي شوارتز، المشرفة على الدراسة وأستاذة علم الأعصاب بجامعة جنيف، ذلك بقول ما ملخصه: «وبجمع الذكاء الصناعي بين التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي وتخطيط كهربية الدماغ، تم تسجيل نشاط الدماغ أثناء اليقظة وأثناء النوم للمشمولين في الدراسة عند معايشة أحداث ذات مردود إيجابي وأحداث أخرى ذات مردود خاسر.
وفي الليلة الأولى، تمت مقارنة صور وتخطيط نشاط مناطق الدماغ المختلفة التي تم رصدها في فترة اليقظة (عند معايشة تلك الأحداث)، بتلك التي تم رصدها في فترة النوم (عند استرجاع ذكرياتها)».
وأضافت الدكتورة فيرجيني ستيربينيتش، الباحثة الرئيسية في الدراسة من قسم علوم الأعصاب الأساسية بجامعة جنيف، ما ملخصه: «في بداية النوم، بدأ الدماغ في التفكير في جميع الأحداث (ذات المردود الإيجابي والأخرى الخاسرة)، لكنه بعد ذلك وبشكل حصري تقريباً، أعاد إحياء الذكريات التي فاز فيها (وأهمل التي خسرها)، من خلال إعادة تنشيط نفس المناطق الدماغية المستخدمة فيها أثناء اليقظة.
ثم بعد يومين، تم إجراء اختبار للذاكرة حول جوانب عدة من المعلومات المتعلقة بتلك الأحداث (ذات المردود الإيجابي وذات المردود الخاسر)، وهنا مرة أخرى، تم أثناء النوم تنشيط المزيد من مناطق الدماغ المتعلقة بالأحداث ذات المردود الإيجابي، وكان أداء الذاكرة أفضل.
ومن خلال هذا العمل، يفتح فريق جامعة جنيف منظوراً جديداً في دراسة الدماغ النائم والعمل المذهل الذي يقوم به كل ليلة».
ويوضح الدكتور مارك وو، طبيب الأعصاب المتخصص في النوم بجامعة جونز هوبكنز، أن النوم يؤثر بشكل كبير على وظائف الدماغ.
ويُعد الحصول على قسط صحي من النوم أمراً حيوياً لمرونة الدماغ أو قدرة الدماغ على التكيف مع الكمّ الهائل من المعلومات التي تدخل إلى الدماغ خلال اليوم، وإنشاء الذاكرة حولها. وإذا كنا ننام قليلاً جداً، فلن نتمكن من معالجة ما تعلمناه خلال النهار، وسنواجه صعوبة أكبر في تذكره في المستقبل.
وأضاف أن العلماء يعتقدون أيضاً أن النوم قد يعزز إزالة الفضلات (المعلومات التي لا جدوى مستقبلية منها للمرء) من خلايا الدماغ، وهو أمر يبدو أنه يحدث بشكل أقل كفاءة عندما يكون الدماغ مستيقظاً.
المصدر: جريدة الشرق الأوسط