كان الاعلام لسانا ناطقا باسم المجتمع وبه يقاس مدى وعيه وثقافته، و كان محط رحال النخبة من القوم الذي خبروا الأيام وجربتهم الليالي، وكانت تثار به القضايا الوطنية والعامة وما له بال ويهدف لنتيجة تلمس وتعود بنفع على المجتمع، ولم يفقد النكتة ولا الإثارة، ولم يك وسيلة بل كان هدفا، ولم تكن حدوده السياسة ورجالها ولا منتهاه رصد أكبر عدد من القراء، ولا كان سبيلا لنشر أشكال الجرائم والمحرمات التي تحدث في العالم وليست جديدة منذ عهد آدم.
...........
أما اليوم وبعد نجاح ثورة المعلوماتية وبعد أن نشرت عوالم التواصل الاجتماعي نفوذها على البشر وهانت الكلمة وزاد باب الحرية اتساعا وتيسر منبر البوح للجميع أصبح الاعلام الشغل الشاغل للناس ومحط رحال الكلمة وبه يتم الاثبات والنفي والاقناع بالباطل ..وتتبع لكل جديد ومدى خطورته ومدى صحته، وبه يتم الترويج لمختلف الأفكار والظواهر وبه ومن خلاله يتم تأسيس المبادئ الفكرية والرؤى والتصورات الجديدة.
لكنه وللأسف اصبح ينحط للحضيض في ها هنا بل وأصبح ملجأ لكل من لم يسعفه الحظ في كسب لقمة العيش، بل أصبح الاعلام غلافا لبعض الأمور التافهة التي كانت من تخصص"اهل آسكر" و"اجماعة البطوار" وما يدور بين نساء الحي من سخافات يكتمنها عن أنفسهن ويختفين بنشرها ، حيث تلحظ وأنت تقلب بصرك في صفحات المواقع عناوين غريبة، حادت عن النكتة ولم تسلك مسلك الإثارة بل تجاوزت كل تلك الحدود لتصل إلى درك الخبث والتحايل والتنكر للموضوعية والمهنية، وهنا أرى أن أهل الاعلام لا يلامون على هذا أبدا..حيث أنهم يعملون في انتاجهم على كسب ذوق القارء وكثرة عدد القراءات وأدركوا ويدرك كل ذي بال أن الناس التي تقرء المواقع وتتصفح الأخبار لا تبحث إلا عن غريب أو ما فاق المألوف وخرج عن العادة، بل إن عدد القراءة يزداد كل ما كان الوضوع تافها وأقرب للمس من أعراض الناس أو متجاوزا لأحد الحدود الاجتماعية أو ينال من الوحدة الوطنية أو يمجد شذوذا أيا كانت وجهته.
ولم يولد الاعلام للتسول "المقنع" ولا لبث أوساخ الجماعات الطائشة في أنحاء العالم ولا لنشر العقد النفسية التي تسكن بعض الناس وتخيل له الأوهام، ولا ولٍد الاعلام لنشر مثالب قوم ومدح آخرين وتتبع أخبارهم وما يصدرون من حركة ورصد ما يلفظون من قول، ولا ولد للانتقام من الرأي المناهض لرأي مالك المنبر ولا للذب عن اتجاهه السياسي ولا للبيع والشراء بثياب من الأخذ والعطاء بالتراضي، لكنه أريد به خدمة المجتمع وإبراز معاناته للساحة ومعالجة كل ما يطرأ على المجتمع من ظواهر غريبة مع مراعاة القيم التليدة والعادات الاصيلة للمجتمع .
ولو قارنا ماضي الخبر مع حاضره فكيف يمكن أن نتوقع مستقبله ؟ هل سنصحو على جثث ومجازر تقدم للقراء ويضحكون ونفخر نحن بازدياد القراءة، أم سنفتح عيوننا على تلاسن بين فلان وفلان وفلان سينام وفلان سيفعل و.قد فعل لأن فلان قال وهو صهره..وفلان س..وفلانة س..
هل نضبت هموم المواطن ؟ هل فقدت المادة الاعلامية روحها ووقودها؟ إلى أين تسير حروفنا وقراءتنا؟ أي منحدر قد يوقف بحثنا عن الجراءة والسفور وأين ستبلغ أقلام المهتمين بما يضحك ويفزع قراء اليوم؟
ولا يفوتنا أن الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
Didi Nejib