لم تفهم فرنسا أن الزمن تغير و ظلت تحتقر وعي النخب في الغرب الإفريقي ، لتكتشف اليوم أنها جازفت باستمرار نفوذها و أرغمت الشعوب على تولي مهمة إخراجها ذليلة بكل قماشها : جنودها، سفاراتها، مخابراتها و ستليها قريبا ، عملتها (CFA) و مراكزها "الثقافية" و لغتها و فرانكوفونيتها و رماد فرانس- آفريكها..
لا حدود لبشاعة الممارسات الفرنسية في المنطقة : كل الحروب الأهلية فيها كانت بإدارة فرنسا.. كل الحروب البينية التي عرفتها تمت بأيادي فرنسا القذرة .. كل الانقلابات العسكرية كانت بإملاءات فرنسية أو بمباركتها.. كل الانتخابات المزورة كانت تسند ظهرها إلى ما تريده فرنسا للمنطقة.. كل المآسي في المنطقة كانت بطعم و روائح النتانة الفرنسية.. كل نهب الطغاة لثروات الشعوب كان بحماية فرنسية.. كل تجاوزات حقوق الإنسان كانت من تراث البشاعات الفرنسية في المنطقة .. كل التخلف و الجهل و التطرف و التبلد و اليأس و الهجرة السرية و الانتحارات الجماعية ، كانت بسبب اللعنة الفرنسية.. كل الاغتيالات السياسية التي أنهت حياة خيرة قادة و ثوار المنطقة تمت بأيادي فرنسا الملطخة بالغدر والعار (بو مدين، باتريس لومونبا، توماس آنكارا، القذافي...).. كل الوحوش الهمجية، الموغلة في الجهل و التخلف و الشذوذ في المنطقة، ظلت تستقبل على البساط الفرنسي الأحمر ، استقبال الأبطال (إيدي آمين دادا، بو كاسا، ولد عبد العزيز،  يحيى جامي..).. كل خونة البلدان و سبب شقائها و تخلفها، صناعة فرنسية محمية و ماركة تجارية مسجلة باسمها المقرون ببؤس المنطقة (عمر بونغو، إدريس ديبي ، واتارا، ماكي صال...)
الانقلابات في مالي و بوركينا فاسو كانت ثورات شعبية  (سيكون لها ما بعدها) بكل المعايير. و حدوثها على أيادي العسكر علامة نضج يتجاوزها الجميع لأنها كانت الطريقة الوحيدة لأي تحول ممكن بلا فوضى.
وحدهم من يعتبرون الانتخابات في المنطقة أفضل من الانقلابات العسكرية فيها ، هم من يغذون دعاية لابول المصممة على مقاس سذاجتنا .. 
وحدهم من يعتبرون "انتخاب" الأنظمة العسكرية أفضل من انقلاباتها هم من يسخرون من سذاجتنا ، تماما كمن يعتبرون استبدال اسم (CFA) بالإيكو (ECO) ثورة ناعمة على التحكم الفرنسي في اقتصاد و مصير الدول مسلوبة الإرادة و الاستقالية، العاملة بها..
ردود الفعل الفرنسية على الصفعة المالية المؤلمة، لم يأت وقتها بعد : تتفق المخابرات و الإعلام الفرنسي اليوم، على ضرورة إنجاح ماكرون . و في انتظار فوزه المؤكد (لمن يعتقدون أن في الغرب انتخابات خالية من الشوائب)، سيكون على الدبلوماسية الفرنسية أن تراوغ لإبقاء الجنود الفرنسيين على الأراضي المالية (بذريعة الانسحاب الآمن) ؛ حينها (حسب التوقعات الفرنسية)، سيكون حلف الناتو قد كبل التقدم الروسي (الذي لا تنسى فرنسا إهانته البالغة لرئيسها) ، لتفرض (ضمن تجمع عصابات الدول الأوروبية "تاكوبا")، بقاءها في مالي بالقوة ..
ما تحتاجه مالي اليوم ، في وجه هذا المخطط الجهنمي، هو الخروج الطافح من عباءة الدبلوماسية العرجاء و التحفظات الجبانة و التوجه إلى كل الشعوب الإفريقية  بخطاب ثوري يكشف كل حقائق فرنسا و يعري كل جرائمها في المنطقة و يفضح كل مخططاتها الحاقدة.
ليس في استعانة مالي بالشعوب الإفريقية أي عيب و لا أي ضعف ، إن العيب و الضعف و الغباء في اعتمادها على حكام و منظمات تحكُّم فرنسا في إفريقيا : لقد نضجت الشعوب الإفريقية و لم تعد تحتاج أكثر من شرارة ذكية، على الشعب المالي اليوم، أن يبدع في تصميمها و شحنها كما أبدع في القبض على لحظتها..