ظلت علاقة الادارة بمراجعيها منذ نشاة الدولة تزداد سوء يوم بعد يوم نتيجة عوامل عديدة تحتاج دراسة او حتي دراسات متعددة عميقة.
الا ان من اسبابها الظاهرة للعيان ما يتعلق ببنية الادارة نفسها ومنها ما يتعلق بالنظام الحكومي والسياسي ومنها ما يتعلق بالمواطن المراجع للادارة نفسه.
تقع المسؤولية الاكبر لهذا التردي علي الدولة التي يجب ان تعد الاطار العام للعمل الحكومي ويتطلب ذلك اختيار موظفين ذوو كفاءة عالية معينين وفق مؤهلاتهم العلمية والمهنية بعيدا عن الوساطة والزبونية والمحسوبية. ولابد من متابعة لهولاء الموظفين اضافة الي اخضاعهم لتقييم دائم و وتكوين مستمر للمحافظة علي مستوي مقبول من تعاطيهم مع الملفات الموجهة اليهم من خلال دراستها وحلها او اقتراح حلول لها وطرحها علي من يحق له البت فيها. ولاغني في هذا المجال عن تحديد اجال مقبولة غير قابلة للزيادة للحصول علي رد يقدم للمراجع الذي يجب ان يتم اشعاره بالمهلة الضرورية لحل مشكلته ان لم يكن ممكنا حلها لحظيا. وعلي جميع مستويات الهرم الاداري تشديد رقابة الموظفين والعمال لكي يكونوا متواجدين طيلة اوقات الدوام في اماكن عملهم.ويجب ان تتم الرقابة الصارمة بشكل مستمر ويكون الهدف منها رفع مستوي الخدمات لا تلميع المسؤول الاول عن الادارة المعنية ولا الرياء والشعبوية.
ولكي يقوم الموظف او العامل بالمهام الموكلة اليه بشكل جيد لابد ان يتم تحسين ظروفه المادية فجل من يتغيبون عن العمل في اوقات الدوام يزاولون اعمالا اخري – رغم منع ذلك قانونيا- من اجل التصدي للمصروفات اليومية المتصاعدة في ظل ركود مستويات الرواتب.
اما المواطن المراجع للادارة فيتحمل هو الاخر بعض المسؤولية من حيث لا يدري بسبب بعض تصرفاته التي يزعم غالبا عن حسن نية انها كفيلة بتسريع حصوله علي مبتغاه. ومن هذه الممارسات انه يبادر قبل التوجه للادارة المعنية القيام بعملية مسح شامل لمعارف المسؤول الاول عنها ليبدا من حيث يجب ان تنتهي معالجة طلبه. وان كانت هذه الطريقة اسرع حسب اعتقاد الكثيرين فانها تتسبب دوما في ضياع الوقت لان المسؤول الاول لديه اولويات اشد الحاحا ولا تمكن معالجتها الا من طرفه. فتري في بعض الاحيان مواطنا يقضي اسبوعا كاملا محاولا لقاء المسؤول الاول في الادارة في امر سيطرحه المسؤول الاول المذكور علي معاونه المختص ولو كان المراجع بدا بهذا المعاون لربما تقدم ملفه. فتعميم الحكم علي كل الادارات بالزبونية والوساطة تعميم ظالم لبعضها علي الاقل. زد علي ذلك ان الطابع الفوضوي السائد القاضي بعدم التقيد بالطابور والوقت والنظام يضر بالتفاهم بين المراجع و المسؤول الاداري عن تقديم الخدمة العمومية. فالمواطن الموريتاني عموما يحب المظاهر والتنفذ مما يكلفه ابراز علاقة مباشرة او مفترضة مع الموظفين السامين ويحبذ كما اسلفنا لقاء راس الهرم الاداري والتظلم المفرط غالبا. فلا غرابة ان تجد – خاصة علي مستوي انواكشوط-مواطنا واقفا طيلة اليوم امام رئاسة الجمهورية لطرح مشكلة يمكن حلها علي مستوي مقاطعته او ادارة محلية او جهوية لم يراجع مصالحها المختصة اصلا او فعل ذلك بشكل سريع لتبرير تظلمه امام رئاسة الجمهورية.
ومن هنا يتضح انه بدون دراسة لجذور الاختلالات في تعامل الادارة مع المواطن واتخاذ الاجراءات الضرورية للتغلب عليها سيبقي المشكل مطروحا رغم حسن النوايا والاجراءات الموسمية التي ستبقي حتما موقتة نتيجة جسامة الاختلالات البنيوية العميقة التي تنخر جسم الجهاز الاداري بشكل عام