لاشك أن عيد الإستقلال هو مناسبة وطنية هامة وحدث تاريخي بارز يتكرر سنويا ويعكس رؤية عامة لحالة الوطن منذ الإستقلال الي اليوم.
قد تتطلب إستنطاق الماضي و إستحضار الحاضر صيروريا من خلال تجليات المنجز الوطني و ظروف المرحلة .
لذا سنتطرق في هذا الصدد الي الحديث عن العاصمة انواكشوط إنطلاقا من ظروف النشأة و مخاوف الغرق لدي البعض.
حيث أكد تقرير مجموعة الخبراء الدوليين حول تطورات المناخ والانحباس الحراري حجم الأخطار المحدقة بنا والجدل الحاصل حول حتمية غرق عاصمتنا الفتية حديثة النشأة انواكشوط الحاضنة لنصف سكان البلد.
مما يولد دوما خوفا ورعبا في صفوف ساكنة العاصمة.
سأتعاطي مع الموضوع من زاويتين : -
الزاوية الأولي : هي أن نشأة العاصمة انواكشوط جاءت في ظروف خاصة ومن اللاشيء بعيد إستقلال شكل لاحقا مناسبة وطنية وتاريخية تتجدد كل موسم بإكتمال الحول في 28 من نوفمبر من كل سنة و لحظة تحرر و انعتاق من ربقة الإستعمار و إستعادة الحرية و الإنطلاق نحو مرحلة بناء و تشييد و تأسيس من اللاشئ .
تذكيرا للأجيال الناشئة بمدي معاناة الآباء من أجل الحصول علي الحرية والإستقلال و غرس روح المواطنة و حب الوطن في قلوبهم لما يمثله هذا اليوم من رمزية تاريخية ذات دلالات عميقة .
، حيث أن المستعمر لم يترك اي اثر لبني تحتية ولا لملامح الحياة في ربوع الوطن عكس واقع المستعمرات الفرنسية المجاورة و المحيطة بنا.
فكان من الضروري في هكذا ظروف أن تكون عملية تأسيس مدينة انواكشوط وبناء وتشييد بلد مدعاة للاستقرار و التركيز في ظل مجتمع بدوي طبعه الترحال.
فبدافع الغيرة علي الوطن والحرص علي قيام دولة مستقلة تتمتع بكامل السيادة علي أراضيها سبيلا في أن نكون أو أن لا نكون !
وفي خضم الأخذ والرد تم إعلان ميلاد مدينة انواكشوط عاصمة سياسية لموريتانيا من داخل خيمة وبر مضروبة لهذا الغرض فوق كثبان رملية متحركة وسط العاصمة في ظل غياب تام لأبسط مقومات الحياة و عدم وجود مظاهر لمؤسسات الدولة أما مسألة المخطط العمراني فهو أمر مستبعد حينها لأكثر من سبب.
ما تم مراعاته خلال هذا التحول السوسيولوجي في نمط الحياة هو خصوصية المجتمع الموريتاني وضرورة استقراره حضريا و استقطابه عبر المدينة الفاضلة هكذا كانت ظروف النشأة و تأسيس البلد.
بالمقابل إثنان و ستون سنة من قيام الدولة المركزية كانت كفيلة بالنهوض بأكثر من مدينة
وتجاوز مرحلة البناء و التأسيس وتصحيح الإختلالات و التغلب علي النواقص و إرساء سياسات إقتصادية ناجعة و وضع مخططات عمرانية سليمة وإعادة ضبط الأمور و وضعها في قالب صحيح يؤسس لبناء حضري صلب مع مراعاة مختلف الظروف الطبيعية المناخية البحرية و المطرية......الخ
فمدينة انواكشوط تم تشييدها علي مستوي أرضي منخفض أقل من مستوي سطح البحر.
ربما لأسباب تتعلق اساسا بالتقري العشوائي و عمليات توزيع القطع الأرضية قبيل استصلاحها والظروف التي اكتنفتها و ما صاحبها من نزوح واسع لساكنة الأرياف حبا في الإستقرار وهروبا من تأثيرات وتداعيات الجفاف حينها نحو العاصمة مما ساهم في توسع رقعة أحياء الصفيح حيث أن عمليات البناء و التشييد جاءت بمجهود خاص و فردي لم يراع المعايير الفنية العمرانية ( علي قدرك يا موسي ).
الزاوية الثانية : هي كيفية التصدي لتهديدات الغرق والحيلولة دون الوصول لهكذا وضعية.
إن التحرك السريع للدولة والحكومة في هذا الشأن أمر ضروري من خلال خطة استعجالية واضحة الملامح ستشكل حصن حصين لمدينة انواكشوط علي أسس علمية وفنية و توفير الآليات المناسبة لرسم هذه الخطة علي أرض الواقع مما سيساهم في كبح اي خطر قادم ، عبر إنشاء حزام أخضر وبناء سد رملي واقي وغيرها من مختلف الطرق التقنية المنوطة بإنجاح هكذا عمل بالإضافة الي تعميم وتوزيع شبكة صرف صحي ملائمة و مطابقة للمعايير و المواصفات المطلوبة ستخفف من وطأة مخاطر مواسم الأمطار و ما تسببه من شلل في الحركة و إعاقة المواصلات.
إن تشييد مدينة جديدة كما ذهب البعض خارج الحيز الجغرافي لمدينة انواكشوط يتطلب مجهودات كبيرة وتمويلات هائلة ستعود بنا الي نقطة الصفر ، أمر مستبعد الحدوث.
لكن الإستفادة من تجارب الآخرين في هذا الإطار مسألة ملحة و ضرورية .
خاصة إذا علمنا أن معظم مدن وعواصم العالم شيدت بالقرب من الشواطئ البحرية وعلي ضفاف الأنهار و في الأعماق وبعضها علي يابسة محاطة بالمياه من كل جهة والبعض الآخر بني علي أفواه براكين حية ونائمة ومناطق زلازل مرعبة.
ظواهر كونية تم التغلب عليها والتعايش معها في ظل صراع ازلي بين الإنسان والطبيعة دون ان تحرك ساكنا من عقر داره .
ففي ضوء الذكري الثانية والستين لعيد الإستقلال المجيد وعلي مدي العقود الستة الماضية مرت البلاد بالعديد من المحطات و المنعطفات التاريخية البارزة والتي انعكست تراكماتها لترسم
ما آلت إليه الأوضاع اليوم والتي يصفها البعض بالأسوأ مقارنة بأحوال بلدان مجاورة نالت إستقلالها بالتزامن معنا و بموارد طبيعية أقل.