يقول رئيس مكسيكي سابق , بعد أن آذاه محيطه الإقليمي , مسكينة "المكسيك" لبعدها من الله وقربها من "الولايات المتحدة"!
موريتانيا أيها السادة , قريبة من الله , ولا يجب أن تكون مسكينة لقربها من جمهورية "مالي" ,
لا يجب أن نتخلى عن عمقنا الإستراتيجي , ولا يجب أن يخوننا الذكاء هنا , ولا أن تخوننا الحسابات , هناك قصة مؤثرة , عميقة إذا ما اقتربت أكثر ,وهي أنه في إحدى الليالي نسي "خباز" بريطاني "شمعة" مضاءة , أشعلت فيما بعد غرفته و منزله وجميع منازل "الجيران" ثم نصف "لندن" كلها , ومات يومها الآلاف فيما أطلق عليه "الحريق الكبير".
هناك بالتأكيد من ترك آلاف الشموع مضاءة في "مالي" , تلك القريبة , والدافع الإستراتيجي هو الحافز هنا بالنسبة لنا , ولا أنكر الدافع الأخلاقي ,زيارة الرئيس "محمد ولد العزيز" الأخيرة إلى "مالي" وما ترتب على ذلك من تهدئة بين "الطوارق" والحكومة في "بماكو" , هي خطوة بالغة الأهمية , أطفأ بها الرجل صراحة آلاف الحرائق قبل أن تشتعل!, السياسة الخارجية بهذه الخطوة تحولت من نظرية التعامل مع الحدث نحو فكرة التخطيط , وهو المقدر في نظري , فما يتناسب مع مكانة "رئاسة الإتحاد الإفريقي" ليس المكسب الإعلامي فقط , بل إرسال رسالة إلى العالم أن هناك دول وصلت مرحلة النضج وبدأت تدرك أين تكمن مصالحها , وبالتالي هي قادرة على التعامل بموضوعية وكفاءة مع مراكز القيادة الإقليمية!, الأمر المريح , أننا بالتأكيد أصبحنا نملك قنوات اتصال مريحة مع الطوارق وكذلك مع الحكومة المالية وهو ما يحولنا من مكانة المحايد - المراقب –
إلى دور الوسيط , وكما يقال في الأعراف السياسية الوسيط لا يتلقى الرصاص! ,
أنا مدرك كذلك أن خطوة كهذه سوف تكبح جماح وجهة نظر "متطرفة" بدأت تتكون أخيراً بأن "موريتانيا" تؤيد الحركات "الأزوادية" في الشمال , وخاصة المكون العربي منها , وهذا ولد بعض الحوادث المؤسفة التي نذكرها وهي على سبيل المثال مقتل موريتانيين بسلاح الجيش المالي نفسه!, بالتأكيد خطوة كهذه سوف تقطع السبيل على هكذا اعتقاد ,لأن الماليين تحولوا من موقع الريبة إلى موقع "الامتنان" خاصة وأنهم مدركون أنهم يفقدون الشمال بسرعة تطابق الهزيمة!.
الغير مبرر في نظري , هو محاولة البعض تقزيم هذه الخطوة , ليس تقزيماً لما تمثله من ردة فعل إستراتيجية , بل كدافع , بمعنى أن كل ماتم كان بمباركة ونصيحة "فرنسية"!, وأجد الأمر مبتذلاً ويخلو من كل بديهيات السياسة , ويحاول نقل "الخلاف السياسي داخلياً" إلى مصاف العرف , ليستوجب عليه بذلك تحقير كل ضروريات الأمة الملحة , باسم السياسة كممارسة!, وذلك بالتأكيد يتخطى خبث السياسة "المحمود" , نحو درجات أخرى!, فلا يهمنا هنا أن تكون "فرنسا" اقترحت , أو أننا تقاطعنا معها في المصالح فعرضت فكرة ربما تخدمنا فبل أن تخدمها , ولا يهمني إن كانت فكرتنا بينما ترفع "فرنسا" القبعة إحتراماً!, كل ما يهم هو أن "موريتانيا" أمنت خاصرتها الرخوة , شكلت تحالفين من دولة واحده , وأرسلت رسالة إلى إفريقيا كلها أنها هنا وتستحق , وصار الطريق بين كيدال وبماكو يبدأ من "انواكشوط".
أحمد ولد الداه