يطلق السهل الممتنع في كلام العرب وفي اصطلاح البلاغيين على الكلام الجامع لأرفع مستويات البلاغة، يقول الكاتب واللغوي الكبيرعبد الله بن المقفع صاحب كتابي الأدب الكبير والأدب الصغير في تعريف السهل الممتنع : "هو الذي إذا سمعه الجاهل ظن أنه يحسن مثله" .
وليس السهل الممتنع من الكتابة والقول ما تمله العين وتكله الأذن ويؤلم الشهية قبل أن تصل لكنهه، فهو ملازم للايجاز مناف للاطناب والتفصيل والعرض الطويل، والبلاغة الايجاز كما قالت العرب، وأما الممتنع السهل في علم المطاردات السياسة وفي علم الانتقام وفي علم صباغة الولاء فكان مجهولا قبل أن يكتب ابن حرمة عن ماهيته ويدلل على حدوده من لغته العتيقة التي تعطو بأشابيب الحقد والانتقام والثأر للحظ والمكانة، وقبل أن يجر ذيول الفشل في إثر رتبة نزعها الدهر من قبضته أيام كان على قاب قوسين من حلم طال ما راوده في اليقظة قبل النوم، وما مثله اليوم وقد تلطخ جؤجؤه بالفشل إلاّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ.
وبينا نحن نتصفح بعض هذه الخواطر التي جاءت تحت عنوان لا علاقة تربطها به لفظا ولا تقديرا وهو "السهل الممتنع" إذا بكاتب يبحر في عباب الكلمات الموحشة ويتبخطرفي ثنايا ذاته وكأنه مصلح يتلو الحكمة من بابها الواسع ويقسم الوعي جرعا على شعب نائم وهيهات المطلب، فأية حكمة وأي حكيم هذا الكاتب ..حكيم يتبجح بأرقام وأعداد علقت ذهنه أيان كان يسرح في منصب حفظ عنه التاريخ من أمره ما نسي أو تناسى، وهاهو يعود اليوم لينقل لنا صفحة من تاريخ موريانيا لا يجهلها غيره، ليلحق بركب الناقمين على الوحدة الوطنية وعلى الوطن وعلى حقيقة موريتانيا اولائك النفر المنصاعين في بوتقة الواقع، وليس ذلك لحلمهم بالخير للوطن ولا لحبهم له وإنما للتقليل من شأن النظام وتحريض الشارع على الحاكم ونظامه بأساليب كبيوت العناكب وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت.
إن ما تشهده موريتانيا اليوم من تقدم وازدهار لا يدع موضع قدم لمشرئب للوهم ولا لناظر بعيني عقاب نحو المآخذ والأمور السلبية فما تحقق في فترة الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز من إنجازات وما قطعته موريتانيا من أشواط نحو مجارات أترابها من الدول الفتية ما كان ليتحقق ولا دليل لمنكره ينصفه العقل أو يرجحه المنطق، وتبقى للشيخوخة حالتها الخاصة من النسيان والتناسي فالشيخ منصوف إذا نسي وقد يكون ذهنه قد شاخ وغاض معين الذكاء من مخه فغدى يهذي بآخر ما لصق ذهنه من هنهنات الحنين، ماسحا بحروفه البائسة دموع اليأس والقنوط ومتجاهلا حدود قدرته على السير، وعجزه عن الدبيب فزعمناه شيخا ولم يعد كذلك و إنَّمَا الشَّيْخُ مَنْ يَدِبُّ دَبِيبَا .
ديدي نجيب