كيف خسر ليفربول معركته الصامتة مع محمد صلاح؟

«لقد أصبحت أكثر عقلانية بشأن هذه الأمور. قبل الموسم، قلت حسنا هناك موسم متبق في عقدي،

لن أفكر في الأمر الآن، علي أن استمتع ولن أشغل بالي بهذا الأمر، علي أن أقدم كل شيء وهذا ما أفعله كل أسبوع»،

بهذه الكلمات شبه الغامضة، تعمد الأسطورة محمد صلاح، إثارة الجدل والقيل والقال حول مستقبله مع ناديه ليفربول، بعد تفسير رسالته المفاجئة بعد الفوز الكاسح على مانشستر يونايتد برباعية نظيفة في قمة مواجهات الجولة الثالثة للدوري الإنكليزي الممتاز، على أنها أشبه بالاعتراف الصريح بأنه يتعرض لكل أنواع التجاهل من قبل الإدارة بخصوص ملف تجديد عقده الذي شارف على الانتهاء، والسؤال الذي يراود الكثير من عشاق النادي واللاعب هو: لماذا سمحت الإدارة لعقد نجم الفريق وأيقونته في الألفية الجديد بالدخول في عامه الأخير؟ وما توابع خسارة هذا الأصل الثمين بدون مقابل حال استمر وضعه الحالي كما هو عليه لنهاية الموسم؟

سياسة وتردد

يبقى الشيء المؤكد والثابت، أن صلاح أثبت نفسه كواحد من أفضل لاعبي أحمر الميرسيسايد في كل العصور، وواحد من أساطير الدوري الإنكليزي في العصر الحديث، وذلك منذ وصوله من روما في صيف 2017، كجناح واعد وصاعد في سماء الكرة العالمية بسرعة الصاروخ، بعد نجاحه في تجاوز تجربته العابرة مع تشلسي جوزيه مورينيو، لكنه كان قاب قوسين أو أدنى من مغادرة «الآنفيلد» في مثل هذه الأيام من العام الماضي، بعد وصول العرض السعودي إلى أرقام فلكية يصعب مقاومتها، آخرها عرض نادي اتحاد جدة الذي قيل أنه تجاوز حاجز الـ200 مليون جنيه إسترليني، إلا أن الإدارة لم توافق على العرض، نزولا عند رغبة المدرب السابق يورغن كلوب، الذي لعب دور «المدمر» لكل المحاولات السعودية، خوفا من توابع فقدان الهداف الأول في حقبته، بجانب ضيق الوقت لاختيار البديل القادر على القيام بنفس دوره، مع بدء العد التنازلي لإغلاق الميركاتو الصيفي 2023، وكان الاعتقاد السائد أن المسؤولين عن الكرة في جنة كرة القدم الجديدة في الشرق الأوسط، سيعودون للضغط على قائد المنتخب المصري هذا الصيف، لكن هذا الأمر لم يتحقق، وتزامن ذلك مع دخوله عامه الأخير في عقده، شأنه شأن زميليه فيرجيل فان دايك وترينت ألكسندر آرنولد، حيث تجمع أغلب الروايات المحسوبة على النادي، أن الأخير أخبر المسؤولين وأصحاب القرار، بأنه لا يخطط لتأمين مستقبله في الجزء الأحمر لمدينة نهر الميرسيسايد، تمهيدا لخطوة لحاقه بكوكبة النجوم في ريال مدريد، بموجب قانون بوسمان مثل كيليان مبابي ومن سبقه بهذه الطريقة ديفيد آلابا وأنطونيو روديغر، في حين يُقال إن قائد المنتخب الهولندي يواجه نفس مصير زميله المصري، بتأجيل ملف التجديد معه لأطول فترة ممكنة، حتى يتأكد خبراء التعاقدات من قدرة الثنائي على اللعب في أعلى مستوى تنافسي لأكثر من عامين، خاصة مع اقتراب الاثنين من منتصف عقد الثلاثينات، وهو العصر الذي عادة ما يظهر العديد من اللاعبين وخصوصا المهاجمين أصحاب السرعات العالية على إظهار علامات التراجع أو التباطؤ، وفي رواية أخرى تظهر عليهم علامات الشيخوخة الكروية، وهذا واحد من أسباب إرجاء ملف تأمين مستقبله حتى الآن.

ضغط مزدوج

والآن وبعد أن أدركت الإدارة الأمريكية المستحوذة على الريدز، أن صندوق الاستثمار السعودي، لم ولن يعود أبدا بعرض مماثل، لذلك العرض الخرافي الذي تم رفضه الصيف الماضي، وذلك ليس لتراجع مستوى النجم المصري أو لشيء آخر من هذا القبيل، بل لاستحالة عرض الملايين على لاعب من المفترض أن عقده مع ناديه سينتهي بعد أقل من 12 شهرا من الآن، وما زاد الطين بلة، أن صاحب الشأن لم يعط تلميحات أو مؤشرات لرغبته في الذهاب إلى دوري روشن، بل إن أغلب تصريحاته ورسائله، كانت وما زالت تعكس رغبته في البقاء في «الآنفيلد» لأطول فترة ممكنة، والمثير للدهشة والاستغراب، أن إدارة ليفربول لم تفعل أي شيء لاستعادة السيطرة على هذا الموقف، بدلا من الوصول إلى المرحلة الحالية، حيث باتت السيطرة في قبضة صاحب القميص رقم 11، وهذا ما أشار إليه في مقابلته المثيرة مع «سكاي سبورت»، بأنه لا يفعل أي شيء سوى الاستمتاع بوقته داخل المستطيل الأخضر تحت قيادة مدربه الهولندي الجديد، وذلك لأنه في حقيقة الأمر، من الصعب أن يكون في وضع تفاوضي أفضل من موقفه الحالي، كنجم لا ينافسه أحد على مستوى الشعبية، سواء لدى جماهير «الآنفيلد» أو عشاق الكيان في كل أرجاء العالم، وفي نفس الوقت، وفي نفس الوقت، لا يتوقف عن وضع الإدارة في مرمى نيران المشجعين، بحفاظه على الصورة التي رسمها لنفسه منذ يومه الأول في النادي، كـ«ميغا ستار» بإمكانه تسجيل 30 هدفا أو أكثر، كما فعلها 4 مرات في سبعة مواسم، وهذا الأمر كان واضحا في تأثيره الكبير على نتائج الفريق في أول 3 مباريات في الدوري الإنكليزي الممتاز، بالإضافة إلى حضوره الطاغي أمام ميلان في الجولة الافتتاحية لدوري مجموعات أبطال أوروبا. الاستثناء الوحيد، كان في مباراة الانتكاسة أمام نوتنغهام فورست، التي خسرها زملاؤه بهدف نظيف في أول تجمع بعد عودة اللاعبين الدوليين من عطلة الفيفا لشهر سبتمبر / أيلول الجاري، وباعتراف الغريم قبل المؤيد، فإن صاحب الـ33 عاما مثل الذهب، يتطور داخل الملعب وتزيد قيمته كلما تقدم في العمر.

الفرصة الأخيرة

من حسن حظ إدارة ليفربول، أن صلاح لم يعط أي إشارة تعكس حرصه على مغادرة ليفربول، بل على العكس تماما، عاد بصورة مذهلة الى ممارسة هوايته المفضلة بتحطيم الأرقام القياسية شبه الإعجازية، آخرها تعزيز سجل أهدافه في الجولة الافتتاحية للدوري الإنكليزي الممتاز، باعتباره اللاعب الأكثر تسجيلا في الأسبوع الافتتاحي، والآن لا يفضله سوى هدف يتيم لإزاحة أسرع فيل في التاريخ ديدييه دروغبا من قائمة الأفارقة الأكثر تسجيلا للأهداف في دوري أبطال أوروبا، وهذا ما قاله زميله آندي روبرتسون في مقابلة مع صحيفة «ديلي ميل»، بأن قصة صلاح وليفربول لم تنته بعد، لرغبته في كتابة المزيد من قصص النجاح، ومع كل نجاح سيحقق في الأسابيع والأشهر القليلة القادمة، ستتضاعف الضغوط على الإدارة أكثر من أي وقت مضى من أجل التجديد مع النجم الأول قبل فوات الأوان، في ظل اعتماد آرنه سلوت على لاعبه المصري، كركيزة أساسية ولا غنى عنها في مشروعه الطموح، ولا توجد فرصة لإمكانية خروجه أو الاستغناء عنه في فصل الشتاء، إلا إذا حدثت معجزة، وأعرب عن رغبته في الذهاب إلى المملكة العربية السعودية في هذه المرحلة في حياته، وهذا آخر وأسوأ سيناريو ينتظره جمهور الريدز، لكن السيناريو الذهبي، أن تسارع الإدارة الأمريكية بتأمين مستقبله ولو براتب سنوي خرافي، بدلا من الذهاب إلى المجهول، بإنفاق عشرات الملايين من الجنهيات الإسترلينية، من أجل الرهان على مشروع صلاح جديد، ربما يعطي أفضل ما لديه لموسمين أو ثلاثة، وربما يحاكي تجربة داروين نونييز، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: من يضمن شراء أسطورة لا تتوقف عن تقديم الإضافة وصنع الفارق لثمانية مواسم على التوالي؟ دليلا على أن الإدارة جانبها التوفيق في ملف تجديد عقد صلاح، أو أنها بالفعل تقامر بالبحث عن بديل شاب، فهل يا ترى سيسمح النادي برحيل هدافه التاريخي في البريميرليغ بهذه السهولة بعد انتهاء عقده؟ أم ستحدث استجابة سريعة لرسائل النجم الكبير قبل أن تأتي مرحلة الندم والعض على الأصابع؟ دعونا ننتظر ما سيحدث في المرحلة القادمة.

أحد, 22/09/2024 - 12:49

          ​