ماذا لو قبل المجلس الدستوري الطعن المقدم إليه من دفاع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز،
وأقر فعلا عدم دستورية المادة الثانية من قانون محاربة الفساد، وحماية المادة 93 لرؤساء الجمهورية في كل تصرفاتهم إبان ممارستهم الحكم؟
لا صلة لي بعلم الغيب، ولا أقول لكم عندي خزائن الأخبار، ولكنه مجرد تساؤل أطرحه بسبب الاندفاع والحماس الباديين اليوم على فريق دفاع الرئيس السابق وهو يقدم عريضة طعونه أمام المجلس الدستوري بكل ثقة في النفس، وبأسلوب من المدح والإطراء غير معهودين من ذلك الدفاع لتلك المؤسسة الدستورية شبه القضائية التي سبق أن قال فيها بعض من أنصار الرئيس السابق في مناسبات سابقة ما لم يقله مالك في الخمر، وكأن ذلك الدفاع يريد فتح صفحة جديدة مع تلك المؤسسة، أو أنه على بينة من أنها ستقر له ما يريد.
المفارقة الأساسية في هذا الملف هي أن النظام الحالي سيكون أكبر المستفيدين من مثل ذلك التوجه في حالة إقراره من طرف المجلس الدستوري.
فبعد أن كان القضاء العادي قد فسر تلك المادة على نحو جعل من محاكمة ولد عبد العزيز أمرا طبيعيا على أساس أن التهم الموجهة إليه غير قابلة للانضواء تحت سقف تلك المادة لتعلق تلك التهم بمجالات خارجة عن اختصاص الرئيس الدستورية، وحقق بذلك للنظام الحالي ما كان يصبو إليه - وفقا لوجهة نظر أنصار الرئيس السابق - من منع لذلك الرئيس من الترشح للرئاسة مجددا، ومن أي مسار سياسي من شأنه التشويش على سلطة النظام القائم، فإن من شأن تأويل المجلس الدستوري اليوم لمضمون تلك المادة على نحو مغاير، أن يجعل منها مادة شاملة في حماية الرئيس من أي مساءلة، من شأن مثل ذلك الموقف أن يمثل ضمانة استثنائية للرئيس الحالي من أي إمكانية للمساءلة في المستقبل.
صحيح، أن فلسفة القانون والأهداف الأصلية من وضع الدساتير أصلا تتنافى مع مثل تلك الحصانة المطلقة التي ستعنى بالضرورة إقامة سلطة مطلقة، ولكن مبدأ سابقة اتصال القضاء في حالة إقرار المجلس لمثل ذلك التأويل سيجعل هو الآخر من شبه المستحيل إمكانية محاكمة الرئيس الحالي مستقبلا.
فإذا أضفنا إلى كل تلك العناصر أن السن القانونية للرئيس السابق قد لا تسمح له بالمشاركة في الانتخابات المقبلة، فضلا عن كون الدستور الحالي لا يسمح لأي كان بالرئاسة لأكثر من مأمورتين، فإن النتيجة الحتمية لكل ذلك هي أن من سيستفيد أكثر من تأويل المجلس الدستوري للمادة: 93 على النحو الذي يطالب به الآن دفاع ولد عبد العزيز هو الرئيس الحالي وليس السابق، خصوصا إذا ما أخذنا في الحسبان أنه قد شارف اليوم على استكمال محكومية الخمس سنوات من السجن التي حكم عليه بها القضاء.
فهل ستشفع هذه المعطيات لدى المجلس الدستوري لقبول طعن دفاع الرئيس السابق؟
الأيام القليلة المقبلة كفيلة بالإجابة على هذا التساؤل.
ولكن توجها من هذا القبيل سيكون حقا بمثابة انقلاب قضائي ستترب عليه، معطيات جديدة قد يكون فيها ما يفسر كثيرا مما كان مستشكلا منذ بعض الوقت؟