هدفت هذة الورقة إلى التعرف علي الدور الروسي وفاعليته داخل القضايا الإفريقية المحورية في عامها 2024 في مقدمتها؛
مكافحة الإرهاب ويبرز ذلك في ما تقدمه من مساعدات عسكرية وأمنية واقعياً لدول القارة مستخدمة عدة أدوات مختلفة وخاصة الفيلق الروسي ولذلك تتخذه روسيا كذريعةً لتدخلها العسكري في القارة بترحيب من قبل الدول الإفريقية الحليفة لها بعدما كانت تحت وطأة النفوذ الغربي؛ كما سلطت الورقة الضوء علي التعاون الاقتصادي الأهم وهو الطاقة التي تتمتع بها القارة والتي جعلتها محط أنظار مختلف الدول الكبرى ومجال لتنافس الخارجي والتي أيضاً شهدت تدخلاً روسياً بموجبه زادت التبادلات التجارية خاصة في شمال إفريقيا وبناءً عليه تغلغلت روسيا داخل الأسواق الإفريقية لتصبح المستورد الأهم لصادرات الروسية وأسلحتها بجانب تقديم روسيا للمساعدات الإنسانية لدول القارة وتوصلت تلك الورقة إلي مجموعة نتائج أهمها : تزايد النفوذ الروسي خاصةً العسكري وتراجع النفوذ الغربي في الأونة الأخيرة ، تمحور النفوذ الروسي في عدة دول إفريقية الأكثر بروزاً كالنيجر ومالي وبوركينا فاسو ، تدعيم روسيا للاقتصاد المصري ودفعه لمزيد من التقدم من خلال الشراكة الإستراتيجية الاقتصادية علاوةً علي ذلك استثمارها في المحطة النووية الأهم تعاوناً بين الدولتين .
مقدمة
تحتل القارة الإفريقية أهمية عظمى في السياسة الخارجية الروسية ؛حيث العلاقات التاريخية المصلحية بينهما فلقد حصلت روسيا علي التأييد السياسي من الدول الإفريقية في حربها ضد أوكرانيا داخل الأمم المتحدة كما مكنتها الدول الإفريقية من فك الحصار الاقتصادي المفروض عليها من قبل الدول الاوروبية والعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الأوروبية مع الولايات المتحدة الأمريكية علي روسيا، في حين تستفيد الدول الإفريقية من المساعدات الإنسانية الروسية والاستثمارات خاصة في مجال الطاقة فضلاً عن الاعفاءات من الديون ومساهمتها في تنمية الدول الإفريقية هذا بجانب تقديم روسيا للمنح الدراسية لبناء كوادر إفريقية ، وبعد ذلك كله تسعي روسيا لتعزيز دورها في إفريقيا وإشراكها في العديد من القضايا الإفريقية لتضمن عودتها كقوة عظمى من خلال تشكيل نظام دولي متعدد الأقطاب ،وتتمثل تلك القضايا في قضية مكافحة الإرهاب، قضية الطاقة والأسواق الأوروبية؛ وفي هذة الورقة سنوضح الدور الروسي كفاعل أساس في القضايا الحتمية في المشهد الإفريقي؛ وذلك من خلال عدة محاور:
أولا :قضية مكافحة الإرهاب
مازالت القارة الإفريقية تعاني من تنامي الحركات الجهادية وخاصةً تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ؛ولهذا برز الدور الروسي ليحل بدلاً من الدول الغربية في مجال مكافحة الإرهاب لاسيما بعد عقد القمة الروسية الإفريقية الثانية في سان بطرسبرغ في أواخر العام الماضي؛ وما نتج عنها من الإعلان عن اتفاقات أمنية وعسكرية مع أكثر من ٤٠ دولة إفريقية، هذا بجانب ” الفيلق الروسي” الذي تأسس بدلاً من مجموعة فاجنر الروسية في ديسمبر ٢٠٢٤ بعد وفاة رئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين بعدما تمرد فاغنر علي روسيا ليصبح الفيلق تابع لوزارة الدفاع الروسية مباشرةً ؛ ويمثل الذراع العسكري لروسيا في القارة السمراء ويتمركز في عدة دول كأفريقيا الوسطي النيجر، بوركينا فاسو،مالي والسودان ؛ و ينطلق من ليبيا _ القيادة المركزية للفيلق-لتحقيق أهداف جيوسياسية لروسيا نظراً للموقع الجغرافي لليبيا ويمد الفيلق الروسي تلك الدول بالأسلحة والتدريبات العسكرية في مجال مكافحة الإرهاب.
وتعود أهمية الفيلق الروسي بالنسبة لروسيا إلى دعم روسيا ضد وجود الغربي ومساندتها للسيطرة على أكبر كم من الموارد الإفريقية على سبيل المثال، تشير تقديرات دولية إلى أن روسيا سيطرت على عدة مناجم الذهب في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى من خلال مجموعة فاغنر في السنوات الماضية وبالتالي ستنتقل هذه المهام إلى الفيلق الإفريقي، الذي بدأت قواته بالفعل في تأمين السيطرة على مناجم الذهب، على نحو ما فعلت في منجم شمال مالي وايضاً الاستحواذ علي اليورانيوم خاصةً في النيجر إذ تعتبر سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم، وقد تستغل روسيا وجودها العسكري في شمال النيجر وتسمح بتدفق الهجرة الغير شرعية إلي أوروبا مما يمثل ورقة ضاغطة في صالح روسيا ضد الغرب في ظل التراجع الغربي داخل القارة في العام الراهن وبسط نفوذ روسيا بشكل كبير في الدول ذات ثقل داخل القارة الإفريقية.
يُضاف إلي ذلك سعي روسيا لتعزيز وجودها العسكري من خلال إرسالها خبراء عسكريين كما حدث في مالي وبوركينا فاسو ثم النيجر في العام الجاري حيث أعلنت السلطات النيجيرية إرسال روسيا لعسكريين روس تكمن مهمتهم في التدريب العسكري ونقبل الخبرات العسكرية تحت مظلة “الحرب علي الإرهاب “ وبدأت قوات الفيلق الروسي في التوغل داخل النيجر منذ 12 أبريل 2024، وفي إفريقيا الوسطي تسعي روسيا لبناء قاعدة عسكرية روسية تتمكن روسيا من خلالها بإجراء عمليات استخباراتية ومراقبة وتصبح طريق لنقل الصادرات الروسية من السلاح لإفريقيا، كما تعزز روسيا وجودها في غرب إفريقيا بإرسال ٣٠٠ جندي روسي لدعم النظام بقيادة الرئيس إبراهيم تراوي، وتوفير الأمن للشعب البوركيني بالإضافة إلى تقديم الدعم العسكري والمدربين الخبراء لمكافحة التنظيمات الإرهابية المتغلغلة في بوركينا فاسو؛ وهو بدوره يعزز من التواجد العسكري الروسي داخل القارة مُعتمدة علي مجموعة وسائل تستفيد علاقاتها العسكرية والأمنية مع إفريقيا والتي تتمثل في: اتفاقيات التعاون العسكري، وحجم تجارة الأسلحة، والمشاركة في عمليات حفظ السلام، حيث أن الهدف الرئيسي لروسيا مؤخراً هو التأييد الدبلوماسي في ظل فرض عقوبات عليها من قبل الأمم المتحدة
ثانيا: قضية الطاقة
شهدت العلاقات الروسية الإفريقية الاقتصادية تقدماً ملحوظاً وبالأخص في مجال الطاقة في الأونة الأخيرة فتعتبر الاستثمارات الروسية في الطاقة في من أكبر الاستثمارات؛ إذ تستثمر في مجال المعادن بمليار دولار في الغابون وموزمبيق وجنوب إفريقيا، وتبلغ استثمارات شركة ” غاز بروم” الروسية في إفريقيا إلى (٥٠٠) مليون دولار، وتصل استثمارات شركة ” لوك أويل” الروسية للنفط مليار دولار في غرب إفريقيا.
ولقد أشار الرئيس الروسي بوتين في المنتدي الروسي الإفريقي في بطرسبرج؛ إلى اهتمام روسيا بتطوير مشروعات الطاقة مع الدول الإفريقية فهناك نحو ٣٠ مشروع للطاقة يتم تطويره في ١٦ دولة إفريقية ولقد أعلنت وزارة التنمية الاقتصادية الروسية أن الشركاء التجاريين لموسكو في القارة : هم مصر والجزائر والمغرب وتونس وليبيا، ثم إثيوبيا وجنوب أفريقيا ونيجيريا والسنغال وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا ؛ بالإضافة إلى توقيع روسيا مع ٢٠ دولة إفريقية اتفاقيات تعاون نووي وقامت بالفعل بإنشاء محطة الطاقة النووية في الضبعة في مصر فيعد أكبر مشروع تعاون بين مصر وروسي وتعتبر ايضاً أكثر آمناً وتقدماً تكنولوجياً في العالم فضلاً عن وجود ٢٠٠ من كوادر الهيئة يتلقوا تدريبات في روسيا، ويترتب علي هذا المشروع عدة فوائد اقتصادية تتمثل في توفير فرص عمل، تطوير التكنولوجيا الصناعية وتأهيلها للعمل في مشاريع متقدمة بجانب تأمين الطاقة وتوفير الطاقة الكهرومائية .وفي الأونة الأخيرة ذكر وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك : “أنه من المحتمل ارتفاع صادرات خطوط أنابيب الغاز الروسية 11% إلى 108 مليارات متر مكعب في 2024 نتيجةً للانصراف روسيا عن التوجه للغرب والاتجاه لإفريقيا”.
ثالثا: الأسواق الإفريقية
تمثل إفريقيا بلا شك سوق استهلاكية ضخمة و لذلك أصبحت محط أنظار الدول الكبري عامةً وروسيا بشكل خاص بعدما فرضت العقوبات الاوروبية عليها بعد حربها علي أوكرانيا لفك عزلتها الاقتصادية؛ في هذا الصدد سعت روسيا لتنشيط التبادل التجاري مع القارة الإفريقية حيث تجاوزت إفريقيا دول أمريكا الشمالية والجنوبية كمستورد لصادرات السلع الروسية التي شهدت تقدماً مؤخراً من 2.5% في عام 2022 إلى ما يقرب من 5% في نهاية عام 2023، ووصل حجم التجارة الروسية للدول الأفريقية 4.2٪ وفقًا لبيانات الفترة من يناير إلى فبراير2024 .
وفي فبراير 2024، تم الانتهاء من النقل للقمح الروسي كمساعدة إنسانية إلى الدول الستة الأكثر فقراً في أفريقيا، وبلغ إجمالي حجم المساعدات الإنسانية 200 ألف طن من الحبوب وتم تسليمها إلى مالي وبوركينا فاسو وزيمبابوي وإريتريا والصومال وجمهورية أفريقيا الوسطي وتم إرسال أكثر من 110 ألف طن من الأسمدة إلى ملاوي وكينيا وزيمبابوي ونيجيريا ، وتصدر روسيا الحبوب والأسلحة والمواد الاستخراجية والطاقة النووية إلى إفريقيا، وهناك أكثر من 70٪ من إجمالي التجارة الروسية تتمحور في أربع دول فقط هي مصر والجزائر والمغرب وجنوب أفريقيا كما تعتمد إفريقيا على روسيا في توفير 30 ٪ من الحبوب.والجدير بالذكر أهم مجالات التعاون بين روسيا والدول الإفريقية وهي : _
- تكوين أسواق غذائية مشتركة
- تعاون رجال الأعمال الروس في تنظيم الإنتاج الزراعي بشكل مباشر في الدول الإفريقية
- العمل علي زيادة صادرات الأسمدة الروسية
- تطوير الأدوات المالية الروسية في البلدان الإفريقية كالإقراض والتأمين وغيرها
ختاما؛ تبين من ما سبق أن للدور الروسي على الساحة الإفريقية تواجد روسيا كفاعل أساسي في القضايا الإفريقية على شاكلة قضايا مكافحة الإرهاب، وقضايا الطاقة، فضلاً عن الأسواق الإفريقية، هذا في ضوء التنافس العالمي المتنامي على القارة الإفريقية والذي تعد روسيا من أبرز المشاركين في هذا التنافس منذ الحرب الباردة بخاصة في ظل ما تمثله إفريقيا من حيث الأهمية السياسة والاقتصادية لروسيا بينما تخوض حربها المستمرة مع أوكرانيا، وهذا ما أظهرته المحاور الثلاثة المتضمنة في الورقة البحثية بداية من قضايا مكافحة الإرهاب الذي يعتبر المبرر الشرعي للتواجد العسكري لروسيا في إفريقيا مستخدمة أحد أذرعها العسكرية وهي الفيلق الروسي في إفريقيا، وصولاً لقضايا الطاقة والأسواق الإفريقية وهما محوران ذوا أبعاد اقتصادية يعدا في مقدمة الأولويات الروسية في السياسة الخارجية تجاه إفريقيا بخاصة في ظل ما تمر به روسيا من عقوبات اقتصادية من الغرب نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية، وبالنسبة لما يعود على إفريقيا من التفاعل الروسي مع القضايا الإفريقية فكعادةً تعد الاستثمارات الاقتصادية والمعونات المالية هي أبرز العوائد على تلك الدول، وجديراً بالذكر أن روسيا لا تتعامل مع إفريقيا ككيان واحد بسياسة واحدة وإن كانت نظمت ما يسمى بالقمة الروسية الإفريقية إلا أن السياسة الروسية يحكمها اعتبارات أخرى تحكمها مصالحها.
للقراءة من المصدر : العرب