
بدأ العد التنازلي لانتهاء الولاية الثانية للعراّب الإيطالي كارلو أنشيلوتي مع ريال مدريد، وذلك كما يعرف القاصي والداني، لإخفاق المدرب المخضرم في تحقيق الحد الأدنى لتوقعات وطموحات الملايين من عشاق النادي الملكي على هذا الكوكب. بدأت بالاستيقاظ على صدمة غياب التفاهم والانسجام بين الأسماء اللامعة والمواهب المتفجرة في الثلث الأخير من الملعب، وفي رواية أخرى «النسخة الخجولة» التي كان عليها الثلاثي المدمر (بالاسم) كيليان مبابي وفينيسيوس جونيور وردوريغو غوس، ومن خلفهم الفتى الإنكليزي جود بيلينغهام، واكتملت المأساة بالعودة إلى زمن «الغالاكتيكوس» الأوائل، بخروج الفريق من كل البطولات في غضون أيام تعد على أصابع اليد، في ما كان أشبه بالسيناريو المتوقع بالنسبة لبعض النقاد والمتابعين، استنادا إلى الحالة البدنية والفنية السيئة التي وصل إليها الميرينغي قبل خوض معارك أبريل/نيسان الحاسمة، وما زاد الطين بلة، وجعل الجماهير تشعر بـ«العار الكروي» أكثر من أي وقت مضى، ما حدث في مباراة كلاسيكو الأرض الأخيرة أمام برشلونة، التي جمعتهما على ملعب «المونتيغويك»، وانتهت بفوز أصحاب الأرض 4-3، كأول مرة منذ عصر الفيلسوف بيب غوارديولا في ذروة عطاء ليونيل ميسي وتشافي هيرنانديز وأندرياس إنييستا وباقي أفراد العصابة الكتالونية، يتجرع خلالها الريال من مرارة الهزيمة 4 مرات على التوالي أمام العدو الأزلي، ما أجبر الرئيس التاريخي فلورنتينو بيريز على التحرك سريعا نحو «الرجل المختار» الجديد، والإشارة إلى مهندس وسط جيل «لاديسيما» تشابي ألونسو، الذي وقع الاختيار عليه لخلافة أستاذه ومدربه السابق في «سانتياغو بيرنابيو»، مدعوما في المقام الأول بالإنجازات المذهلة التي حققها مع باير ليفركوزن في الدوري الألماني، ثم بجيناته المدريدية وما لديه من كاريزما ووزن داخل جدران النادي، باعتباره واحداً من أساطير الكيان في العصر الحديث، وأحد أفضل من مروا على دائرة وسط «البيرنابيو» في التاريخ، وهذا في حد ذاته، يتماشى مع السياسة التي يتبعها الرئيس السبعيني منذ سنوات، والتي ترتكز على فكرة «الأفضلية لأبناء النادي ومن يعرفون كيف تسير الأمور في مكاتب المدينة البيضاء»، كما أعاد الميستر كارليتو في 2021، وقبله الأيقونة زين الدين زيدان في ولاية ثانية في ربيع 2019، وأيضا سانتياغو سولاري، الذي كان يُشرف على الفريق الرديف، قبل توليه قيادة الفريق الأول بشكل مؤقت، فقط الاستثاء الوحيد من خارج أسوار الريال خلال تلك الفترة، كان الإسباني جوليان لوبيتيغي، لكن السؤال الذي أثار ضجة على نطاق واسع: هل تكتيكات وأساليب ألونسو تتناسب مع ريال مدريد؟ وهل سيكون مشروع زيدان جديداً في القيادة الفنية؟ وماذا يحتاج لإعادة هيبة وكبرياء النادي بعد تحطم معنويات مبابي ورفاقه أمام المراهق لامين يامال وأصدقائه؟ بالأحرى كيف سيتجاوز إشكالية التفوق النفسي الهائل للمنافس على فريقه بعد الهزائم الأربع الأخيرة؟ هذا ما سنسلط الضوء عليه في موضوعنا الأسبوعي.
العاطفة والأزمات
بلغة العقل والمنطق، سنجد أنه من المفهوم أن يحظى مايسترو وسط لاروخا والريال سابقا بإعجاب القرش الأبيض الكبير بيريز ومجلسه المعاون، كيف لا والحديث عن الرجل الذي جاء إلى ملعب «باي آرينا» في ظروف طارئة في أكتوبر/تشرين الأول 2022، ثم فجأة وبدون سابق إنذار، وضع كل خصومه في ألمانيا والقارة العجوز في حالة طوارئ، تاركا تأثيره العظيم على نتائج وأداء وشخصية فريقه داخل الملعب تتحدث عنه، وكانت البداية بانتشال ليفركوزن من براثن الضياع، حيث كان يقبع في المرتبة قبل الأخيرة في ترتيب البوندسليغا، بعد الاكتفاء بانتصار وحيد في أول ثماني جولات في موسم 2022-2023، لكن ما حدث بعد ذلك فاق كل توقعات عالم الساحرة المستديرة، بقيادة فريقه إلى التتويج بلقب الدوري الألماني، كأول منافس يتجرأ على كسر هيمنة كبير القوم بايرن ميونيخ، التي امتدت لنحو 11 موسما على التوالي، ثم بتأمين الثنائية المحلية بمعانقة كأس ألمانيا، وفي الختام خسر لقب اليوروبا ليغ أمام فيورنتينا الإيطالي، وكل ما سبق حدث في غضون 18 شهرا من وصوله إلى ليفركوزن، أو بعبارة أخرى أكثر دقة في نهاية موسمه الثاني (أول موسم كامل مع الفريق)، والذي لم يعرف فيه طعم الخسارة إلا في المباراة النهائية للبطولة الأوروبية الثانية، وهذا يفسر ما يمكن وصفه مجازا بـ«الحماس المدريدي» المبرر، لما يمكن أن يحققه تلميذ بيب غوارديولا وجوزيه مورينيو وكارلو أنشيلوتي مع جيل اللوس بلانكوس الحالي، الذي يضم كوكبة من أفضل وألمع المهاجمين في العالم، لكن وفقا لأحكام وقواعد اللعبة المجنونة، فهذا لا يعني بالضرورة أن الأمور ستكون سلسة معه على أرض الملعب، مع هذا الكم الهائل من المشاكل الفنية والنفسية التي تركها المدرب الحالي لخليفته المنتظر، منها على سبيل المثال لا الحصر، النقص العددي الحاد في مركز قلب الدفاع، بعد تجدد معاناة إيدير ميليتاو مع لعنة الإصابة بقطع في الرباط الصليبي للعام الثاني على التوالي، وبالمثل يبدو واضحا أن قائد المنتخب النمساوي ديفيد آلابا، قد تجاوز مرحلة الذروة في مسيرته، من خلال عدم قدرته على استعادة كامل مستواه ولياقته البدنية التي كان عليها قبل خضوعه لنفس العملية التي أجراها ميليتاو مرتين، حتى قائد الفريق داني كاربخال، تعرض لنفس الإصابة في منتصف الموسم، وإلى الآن لم يركل الكرة ولو مرة واحدة، ناهيك عن إشكالية التراجع الحاد في مستوى قلب الدفاع أنطونيو روديغر، والنقص الواضح في خبرة اليافع راؤول أسينسيو، وكذلك الأمر على مستوى الوسط، مع علامات الاستفهام الكثيرة حول أداء جُل لاعبيه، وسط حالة من الإجماع على أن المدرب الإيطالي هو المسؤول الأول عن عدم تطور أسماء مثل إدواردو كامافينغا وأورلين تشواميني، على عكس أغلب التوقعات بأن الثنائي الفرنسي سيصل إلى قمة الانفجار الكروي تحت قيادة أنشيلوتي، حتى فيد فالفيردي، ما زال عالقا في النسخة التي كان عليها مع زيزو، كلاعب رأس ماله طاقته المهيبة في وسط الملعب، وتصويباته المباغتة من وقت لآخر، بدون أن تظهر عليه أي ملامح في التطور أو التحسن في مختلف النواحي المطلوبة في مركزه كلاعب وسط رقم (8)، مثل التمريرات الدقيقة في عمق الدفاع، وافتكاك الكرة بأقل عدد ممكن من المخالفات، وذكاء التحرك بين الخطوط وأخذ المبادرة بأفكار خارج الصندوق في الثلث الأخير من الملعب، مثل إبداعات بيدري مع برشلونة، لكن بالنظر إلى الشاب الأوروغواني، سنجد أنه ما زال بنفس الصورة التي رسمها لنفسه في بداياته مع الفريق الأول، كلاعب لا يكل ولا يمل من الركض في الجهة اليمنى من الملعب، ولا يعرف سوى خيار التسديد كلما تسلم الكرة على حدود منطقة الجزاء، بدون أن تظهر عليه علامات أو مؤشرات لتطوره فنيا بما يتماشى مع عمره الآن، والبعض يرجع السبب إلى تشتت ذهن اللاعب من مبالغة المدرب في الاعتماد عليه في أكثر من مركز هذا الموسم، تارة لتعويض كاربخال في مركز الظهير الأيمن، وتارة للقيام بدور أورلين أو كامافينغا، عندما يعتمد المدرب على أحدهما في الدفاع.
كل ما سبق في كفة، وصداع التوازن في كفة، بعد انكشاف الفراغ الكبير الذي تركه الأسطورة توني كروس، في أول موسم بعد اعتزاله، بمسؤولية مشتركة بين مجلس إدارة النادي والمدرب أنشيلوتي، بتجاهل ملف التوقيع مع لاعب وسط بإمكانه القيام بدور مهندس الوسط الألماني، فكانت النتيجة ما شاهدناه من انعدام في توازن الفريق في أغلب فترات الموسم، باستثناء فترة ما قبل الانتكاسة التي أبعدت داني سيبايوس في النصف الثاني، حتى عندما حاول الميستر كارليتو، تعويض كروس بالنجم الإنكليزي بيلينغهام في مركز لاعب الوسط المحوري، أو حلقة الوصل بين الوسط والهجوم، جاءت بنتائج عكسية، وبالنسبة للبعض أتت بنتائج كارثية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ليس فقط لإخفاق الشاب العشريني في القيام بنفس الدور، بل أيضا لتسبب المدرب في ضياع واحد من أهم الأسلحة، التي ساهمت في حصول الفريق على الكأس الشقراء الخامسة عشرة الموسم الماضي، من خلال إبعاد بيلي عن مركزه المميز، كلاعب يمزج بين صانع الألعاب الكلاسيكي رقم (10) وبين المهاجم الوهمي رقم (9.5)، منها كان يبدع في تقديم يد العون لثنائي الهجوم فينيسيوس جونيور ورودريغو غوس، بحلوله الفردية المفاجئة على طريق «غارات زيدان بالقميص رقم 5»، وتمريراته المفتاحية في العمق وعلى الأطراف، ومنها أيضا تفانيه في القيام بدور ثاني أفضل هداف في تاريخ النادي كريم بنزيمة في أول موسم بعد انتقاله إلى الاتحاد السعودي، بتطويع طول قامته وقدرته على التسجيل بالرأس وكلتا القدمين لمصلحة المنظومة الجماعية، وهذا ما جعل الجماهير تتجاوز سريعا صدمة خروج القناص الفرنسي، لكن بعد إجباره على التحرك في أمتار معينة في الوسط والثلث الأخير من الملعب، كجزء من رهان أنشيلوتي على الانسيابية والمهارة الفطرية التي يتمتع بها ثلاثي الهجوم، افتقد الفريق أحد أهم أسلحته، وفي نفس الوقت أحدث هزة كبيرة في وسط الملعب، تجلت في اختبارات الريال أمام خصومه الذين يعتمدون على بناء الهجمات بكفاءة عالية، ويمتلكون ما يكفي من جودة لاختراق الوسط المدريدي المفكك، والسبب تلك الفجوة الكبيرة بين أصحاب المهام الهجومية وبين المحاربين وأصحاب الأدوار الدفاعية، متمثلة في وجود ما لا يقل عن 3 لـ4 لاعبين، لا يقومون بأبسط أدوارهم الدفاعية، مثل الضغط على أول لاعب حامل للكرة من المنافس في مناطقه الدفاعية، كما كان يتفنن بنزيمة في إجبار المدافعين وحراس المرمى على ارتكاب الأخطاء والهدايا التي لا تقدر بثمن، وغيرها من المشاكل الفنية والتحديات التي تنتظر ألونسو في تجربته مع ناديه القديم.
ثورة وأحلام
لا شك أبدا، أن ألونسو يعرف أكثر من غيره، أن مهمته مع ريال مدريد، لن تكون سهلة على الإطلاق، أو على أقل تقدير طريقه نحو النجاح والمجد لن يكون مفروشا بالورد والفل والياسمين، لكن في الوقت ذاته، ليست جزءا من سلسلة أفلام «المهمة المستحيلة»، كل ما في الأمر، أنه يحتاج لتكرار ما فعله في وطن السيارات المعمرة، لكن بطموحات وإمكانيات وأهداف أشهر فريق كرة قدم في أوروبا والعالم، وهذا لن يتحقق إلا بحل المعادلة الكيميائية الصعبة، بالجمع بين الصرامة والهيبة والانضباط لفرض سيطرته على النجوم اللامعة في غرفة خلع الملابس، وبين الأفكار الكروية العصرية التي تتماشى مع المواهب المتفجرة في الثلث الأخير من الملعب، بعد إخفاق شيخ المدربين في الوصول إلى التوليفة السحرية التي تساعد مبابي ومعاونيه على إخراج أفضل ما لديهم بشكل جماعي بما يخدم مصلحة الفريق، مقارنة بالتأثير الذي أحدثه المدرب الألماني هانزي فليك مع الأعداء في كتالونيا، بنجاح لا جدال عليه في إخراج أفضل ما لدى مهاجميه، كما هو واضحا في الطفرة الكبيرة في أنياب البرازيلي رافينيا، الذي تحول من لاعب منبوذ جماهيريا وعلى قائمة المرشحين للبيع في أكثر من مناسبة، إلى واحد من الأسماء المرشحة للتواجد في القائمة المختصرة لجائزة «البالون دور» هذا العام، بالإضافة إلى إحياء روبرت ليفاندوسكي بعمر 36 عاما، والأهم إطلاق العنان لظاهرة العصر لامين يامال، ليتحول في وقت قياسي من موهبة واعدة إلى أفضل وأمتع وأشرس وأخطر لاعب على هذا الكوكب هذا الموسم، هذا ولم نتحدث عن بصمة فليك على بيدري والعائد من الموت الكروي فرينكي دي يونغ وباقي المجموعة التي كانت تعاني الأمرين في نهاية حقبة تشافي هيرنانديز، ثم تحولت إلى وحوش كاسرة في مشروع البلوغرانا الجديد، وهذا ما يحلم المشجع المدريدي بتكراره مع فريقه على يد العراّب الجديد، خاصة بعد السمعة الكبيرة التي اكتسبها من تجربته مع ليفركوزن، راسما لنفسه صورة المدرب الساحر القادر على صناعة ثورة حقيقية مع فريقه، من خلال الرهان على نظرته الثاقبة في المواهب المؤهلة للعب في أعلى مستوى تنافسي في اللعبة، وقدرته على تطوير اللاعبين وتعديل مراكزهم بما يتماشى مع مواصفاتهم وفي نفس الوقت يخدم مصلحة الفريق. ولعل جماهير ليفركوزن، تتذكر التحسن الفوري في عدد المحاولات والفرص التي يخلقها الفريق، وأيضا في التراجع الكبير في معدل استقبال الأهداف ومحاولات المنافسين على المرمى، وهذا لم يحدث بضربة حظ أو من قبيل الصدفة، بل بفضل بصمة المدرب وتأثيره على أداء اللاعبين، بتلك الطريقة التي حول بها جيريمي فريمبونغ، من ثغرة في مركز الظهير الأيمن العادي في طريقة 4-4-2، إلى ظهير جناح بالمواصفات الحديثة في طريقة 3-4-2-1، لدرجة أنه من الأسماء المرشحة لخلافة ترينت ألكسندر أرنولد في مشروع آرني سلوت مع ليفربول، ونفس الأمر فعله مع الظهير الجناح الطائر الآخر اليخاندرو غريمالدو، والمدافع إدموند تابسويا وقائمة عريضة أخذت مسيرتها منحى آخر تحت قيادة ألونسو، بخلاف قدرته على اختيار الصفقات التي يحتاجها مشروعه، مثل رهانه على قائد آرسنال السابق غرانيت تشاكا، الذي خالف كل التوقعات، بظهوره بمستوى استثنائي مع ليفركوزن، وناثان تيلا القادم من ساوثهامبتون، وفيكتور بونيفايس الذي أضاف قوة هائلة منذ قدومه من يونيون إس جي في صيف 2023، ما شكل حالة الانفجار التي أنهت سيطرة البايرن على لقب الدوري في موسم 2023-2024 الاستثنائي، كدليل على براعة المدرب الألماني على التكيف على نقاط قوة فريقه والاستفادة منها كما ينبغي، تماما كما يمني بيريز ومجلسه المعاون النفس، أن يتمكن من تحرير الثروات الهائلة في الفريق، حتى تظهر جودة وقيمة المواهب المتاحة في عملاق الليغا.
السيمفونية المدريدية
كما يقول موقع «ذا أثلتيك»، ستكون مهمة ألونسو الرئيسية مع الريال «إعادة ترتيب تشكيلته المثالية بالشكل الصحيح لتأليف سيمفونية ريال مدريد القادمة»، وهذا لن يتحقق إلا بتوفير «الكثافة الدفاعية» اللازمة لحرمان المنافسين من رفاهية الضغط والتقدم بلا خوف، وأيضا لتوفير الحماية في المنطقة المستباحة بين قلب الدفاع والوسط، على الأقل لتجنب مثل مشهد اكتفاء مبابي وفينيسوس بمشاهدة الأحداث، تاركين سكيلي يشق وسط ملعبهم بكل سهولة وأريحية، في ليلة الخروج المحرج أمام آرسنال في ربع نهائي دوري الأبطال، وغيرها من المشاهد المتكررة في الخسارات الأربع المدمرة نفسيا ومعنويا أمام برشلونة. ومن الواضح، أن المدرب الجديد على دراية كاملة بأبرز نقاط ضعف مشروعه الجديد وأهم احتياجاته في المرحلة القادمة، والدليل على ذلك، تلك الأنباء الرائجة وقت كتابة هذه الكلمات، عن مفاوضات الإدارة مع مسؤولي بورنموث من أجل الحصول على توقيع دين هويسن، وفي الطريق الابن الضال ثيو هيرنانديز أو لاعب آخر بنفس المواصفات، التي يريدها ألونسو في مركز الظهير الأيسر الطائر في أسلوبه المفضل 3-4-2-1، وذلك بعد الانتهاء من أولى صفقاته المثالية لأسلوبه، بضم ظهير ليفربول أرنولد في صفقة انتقال حر، وسط توقعات أن تساهم طريقة ألونسو، في تخلص الدولي الإنكليزي من عيوبه ومشاكله الدفاعية، وفي نفس الوقت، ستساعده على إطلاق العنان لنفسه في الثلث الأخير من الملعب، ومعروف أن أرنولد، يتمتع بجودة تحاكي أفضل صناع اللعب في العالم، بدقة نادرة في إرسال العرضيات والتمريرات المفتاحية بين الخصوم، مع انطلاقات عنترية وشجاعة في اختراق المدافعين والتصويب القوي من أي مكان في الثلث الأخير من الملعب، كمؤشر إيجابي على انتهاء معضلة الريال مع مركز الظهير الأيمن، أو على أقل تقدير، مؤشر إلى توافق المدرب الجديد مع الإدارة على ما يحتاجه المشروع من أجل الانتقال إلى المرحلة التالية، بما في ذلك استغلال قدرة ألونسو على تطوير المواهب، خصوصا المجموعة التي فقدت الكثير من ثقتها في نهاية حقبة المدرب الإيطالي، وفي مقدمة هؤلاء البرازيلي أندريك، الذي استهل الموسم بأفضل طريقة ممكنة، بالتعبير عن نفسه في الدقائق القليلة التي كان يتحصل عليها، لكن سرعان ما خرج من حسابات المدرب، ما تسبب في التدهور الملموس في أدائه في الأسابيع الماضية، ربما لقناعته بأن وضعه لن يتقدم قيد أنملة، طالما أنشيلوتي على رأس الجهاز الفني، وربما للتأثير السلبي من كثرة إبعاده، الذي يجعله يبدو وكأنه يريد فعل كل شيء، ليثبت للمدرب أنه يستحق هذه المعاملة، ولعل من شاهد مبارياته الأخيرة، لاحظ مبالغة الصغير البرازيلي في الاعتماد على الحلول الفردية والتسديد من أماكن شبه مستحيلة، مقارنة بالنسخة المبشرة التي كان عليها في بداية الموسم، وبدرجة أقل اليافع التركي أردا غولر، الذي كان أكثر حظا في الأسابيع القليلة الماضية، بفضل أهدافه المؤثرة التي أبقت الفريق في دائرة المنافسة على لقب الليغا، ومواهب أخرى ينتظر عودتها إلى الحياة تحت قيادة ألونسو، كما فعلها من قبل مع ليفركوزن.
فقط يتبقى الرهان أو التحدي الأصعب للمدرب الجديد، هو التعامل مع مركز المهاجم الصريح، هذا بطبيعة الحال، على افتراض أنه سيطبق إستراتيجيته مع اللوس بلانكوس، باللعب بأسلوب 3-4-2-1، من خلال الاعتماد على ثلاثة مدافعين في الخط الخلفي، أحدهم بأدوار مركبة بين الدفاع والوسط، مع أربعة في الوسط، منهم اثنان على الدائرة ومثلهما على الأطراف، لشغل مركز الظهير الأيمن والأيسر على الورق، وأجنحة فتاكة في اللحظات الانتقالية والحاسمة في المباريات، بالإضافة إلى اثنين لتبادل دور صانع اللعب مع المهاجم الوحيد، وبنسبة كبيرة سيعتمد على بيلينغهام في دور اللاعب المتحرر في الثلث الأخير من الملعب جهة اليسار، والتركي أردا غولر أو المغربي براهيم دياز أو لاعب آخر يملك قدم يسرى ساحرة في الجهة اليمنى، أما في مركز رقم (9)، ستكون المفاضلة بين هداف الفريق هذا الموسم مبابي، وبين الثنائي البرازيلي فينيسيوس جونيور ورودريغو غوس، أو في أضعف الإيمان سيجد المدرب طريقة ما، لاستيعاب اثنين من هذا الثلاثي، أو قد تصدق التقارير المتداولة في الأيام الماضية، حول إمكانية موافقة الإدارة على ذهاب فيني إلى أحد عمالقة الدوري السعودي، إذا تلقى عرضا لا يقاوم في الميركاتو الصيفي، وسط اتهامات للاعب البرازيلي، بإثارة الفوضى والمشاكل داخل غرفة خلع الملابس. الشاهد عزيزي القارئ، أن طريقة ألونسو تتناسب مع أغلب الثروات التي سيتسلمها من أنشيلوتي، باستثناء لاعب أو اثنين من رجال كارلو المخلصين، فقط يتبقى نجاحه في السيطرة على القنبلة الموقوتة التي قال عنها ذات يوم القائد التاريخي للفريق سيرخيو راموس: «في ريال مدريد السيطرة على غرفة خلع الملابس أهم من الأمور الفنية والتكتيكية»، متمثلة في المدرسة الزيدانية، التي ارتكزت على فكرة «الهيمنة على نفوذ كريستيانو رونالدو وباقي نجوم جيل العاشرة»، وأيضا في الميستر كارليتو، الذي قال عنه بيلينغهام الموسم الماضي: «تكمن أكبر نقاط قوتنا في قدرته على منح العديد من اللاعبين الشباب حرية اللعب. نحن نعتمد على أسلوبنا الارتجالي. وكرجل، فهو يمنحنا الهدوء والثقة»، على عكس أصحاب الأفكار المنهجية الذين حققوا نجاحات أقل مثل رافائيل بنيتيز ولوبيتيغي ومانويل بيلغريني، فهل يا ترى سيمثل ألونسو نقلة نوعية في منصب المدرب للنادي الملكي؟ باعتباره أول مدرب يجمع بين الكاريزما والحضور والنجاح الكروي كلاعب لفرض احترامه على النجوم والأسماء الكبيرة في الملعب وفي نفس الوقت يميل إلى المدرسة البراغماتية المتعصبة لأسلوبها وتكتيكاتها الكروية. هذا ما سيجيب عنه ألونسو في مهمته المزدوجة لإعادة هيبة وكبرياء الريال وتجاوز الحاجز النفسي الصعب بعد الانحناء أمام العدو التقليدي 4 مرات على التوالي.