واتساب يدخل عالم الإعلانات: خطوة تجارية جريئة أم تهديد لخصوصية المستخدمين؟
في تحول كبير عن نهجه الأصلي، يستعد تطبيق المراسلة الشهير واتساب لبدء طرح الإعلانات داخل منصته، مما يمثل نقلة نوعية لتطبيق لطالما قدّم نفسه كبديل خالٍ من الضجيج التجاري الذي يطغى على وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى.
من الخصوصية إلى الإعلانات: كيف وصل واتساب إلى هنا؟
عندما استحوذت شركة ميتا (فيسبوك سابقاً) على واتساب في عام 2014 مقابل 19 مليار دولار، كان التطبيق يعتمد نموذجاً بسيطاً وفريداً: رسوم سنوية رمزية قدرها دولار واحد مقابل تجربة استخدام آمنة وخالية من الإعلانات. لكن هذا النموذج تغيّر كلياً في عام 2016 عندما أصبح التطبيق مجانيًا، وبدأت الشركة تتجه تدريجيًا نحو البحث عن مصادر ربح جديدة.
ad
ركزت ميتا منذ ذلك الحين على توسيع استخدام واتساب للأعمال (WhatsApp Business)، الذي تعتمد عليه أكثر من 700 مليون شركة بحلول عام 2024، لتقديم خدمات دعم العملاء والتسويق عبر الرسائل. لكن هذا المصدر ظل محدودًا من حيث العائدات، مقارنةً بالأرباح الضخمة التي تحققها ميتا من الإعلانات في فيسبوك وإنستغرام.
وبذلك، أصبح التوجه نحو قاعدة مستخدمي واتساب التي تتجاوز 3 مليارات شخص حول العالم، خيارًا منطقيًا لتعزيز الإيرادات، خاصة في ظل المنافسة الشديدة مع منصات مثل سناب شات وتيليغرام، التي تسعى بدورها إلى نماذج ربح مبتكرة.
لماذا هذه الخطوة مختلفة؟
ad
خصوصية واتساب هي حجر الأساس لهويته؛ فهو ليس فقط وسيلة تواصل، بل مساحة شخصية يستخدمها الناس لمشاركة معلومات حساسة وخاصة. ولهذا السبب، تبدو فكرة الإعلانات مزعجة للبعض، حتى وإن لم تعتمد مباشرة على محتوى الرسائل.
ومع امتلاك ميتا لكميات هائلة من بيانات المستخدمين عبر تطبيقاتها الأخرى، يمكن للإعلانات أن تكون “موجهة جدًا”، ما قد يُشعر المستخدمين بالانتهاك. فمجرد الحديث مع صديق عن وجهة سفر أو فريق رياضي، قد ينعكس فورًا بإعلانات مرتبطة، وهو ما قد يثير حفيظة البعض.
مخاوف متصاعدة من فقدان الثقة
شهد واتساب في عام 2021 انتقادات واسعة بسبب تحديثات سياسة الخصوصية التي أثارت جدلاً حول مشاركة البيانات مع فيسبوك. ورغم إتمام التحديث، فإن ملايين المستخدمين لجؤوا إلى تطبيقات بديلة مثل سيغنال وتيليغرام، احتجاجاً على هذه الخطوة.
ومع أن بعض الدراسات تشير إلى أن الجيل الجديد أكثر مرونة مع المحتوى المخصص، فإن مسألة الخصوصية تبقى حساسة. فإذا شعر المستخدمون أن المساحة الشخصية التي يوفرها واتساب أصبحت مجالاً للاستغلال التجاري، فقد يهاجرون بسرعة إلى منصات أخرى، خاصةً مع عدم وجود تكلفة تُذكر للانتقال.
الإعلانات في المساحات الآمنة: سيف ذو حدين
من أبرز التحديات المرتبطة بإدخال الإعلانات في واتساب هو الخطر المتزايد لظهور محتوى غير لائق، خاصة للمستخدمين الشباب، داخل بيئة يشعر فيها الناس بالأمان. فالمراسلات الخاصة تختلف عن المنصات العامة، وأي اختراق لهذا الإحساس بالخصوصية قد تكون عواقبه كبيرة.
هل تنجح ميتا في تحقيق التوازن؟
في النهاية، لا يُعد إدخال الإعلانات إلى واتساب مجرد قرار تجاري، بل هو تحول ثقافي واستراتيجي قد يعيد تعريف العلاقة بين المستخدم والمنصة. وإذا ما تمّ تنفيذه بذكاء، فقد يكون خطوة نحو ربحية أكبر دون التضحية بالثقة.
لكن، إن شعر المستخدمون بأنهم باتوا “المنتج” وأن بياناتهم تُستغل دون حذر، فإن ردة الفعل قد تكون عنيفة وسريعة. فنجاح واتساب لا يعتمد فقط على ما يقدمه، بل على كيفية إدراك المستخدمين لطريقة تقديمه.
اثنين, 23/06/2025 - 10:54