في ليالي الشتاء الباردة تشعر أنك بحاجة ماسة لعصفورة مسالمة تشعل لك البخورْ وتنضح في وجهك الماء لتوقظك لصلاة الصبح وتقول لك وهي تبتسم أين هي "فظة أصبوح"!!
بدل ذلك تكتشف أن هناك "بوجعرانْ" قادم من السقف كطائرة مروحية ليحط الرحال على وسادتك الخالية،كأنه مثلك يشعر بالبرد والعزلة ويعاني من العزوبية ويبحث عن الإستقرار ودفء العائلة.
في المساء والضباب يخيم على الأفق،والدور والأشجار متناثرة أمام عينيك،في مشهد صامت من مسرحية مبهمة يسمونها الحياة،وأنت تمارس التأمل الاعتباطي كقديس ملًّ من التعبد واينعت في خياله فجأة أزهار الرغبات وأحلام الطفولة!!
تقول في نفسك ماذا تريد من الحياة؟؟
وأنت ترى ناقة تداعب بفمها أغصان "الطلح"،ورجل مسن ينحدر مع التلال حاملاً في يده شيئا ما،وطفلاً مرحاً حوًّل الشتاء وجنتيه إلى أديم جاف كأنها تشبه خدود الوطن....
تحس بكاهلك مثقلاً بالأحلام المؤجلة،وبأن ذلك السلّم المنصوبْ نحو قمة الطموح،قد تعِبْتَ من تسلقه وأن جميع "كتب التنمية البشرية" لا تستطيع إزاحة صخرة الواقع الصمّاء،وأن الأهداف البعيدة ترهق العمر
هكذا ببساطة!!
قالها في نفسه وسدَّدَ لكمة عنيفة لرأس "بوجعرانْ" حتى توارى بين كتب الرياضيات وجدران الطين،ليتصفح قليلاُ العالم الأزرق قبل أن يأخذه النوم،وتذهب به الأحلام في رحلة لإحدى المدن التاريخية،قبل أن يجده نفسه في أزقة متعفنة بمياه الصرف الصحي ونفر هناك يحملون جنازة مجنون ملطخة بالأوساخ،لتنقله الأحلام بعدها إلى مكان أخضر مكتظ بالجبال وساحرْ وأنه يحمل في يده كاميرا يلتقط بها الصور ويتحكم في أبعادها بشكل مذهلْ،
ليستيقظ بصعوبة كصباحات الوطن العربي وقد أنهكه الإعياء،ليصلي ركعتين ويفتش في مخزون "التمر" عن بعض السعرات الحرارية،ويقول في نفسه:
القليل من الانكسار والأحلام الجانبية وتكون الحياة بخيــــــــــــر!!
لِمَ لا...قطعة أرضية وعصفورة والقليل من الأطفال...ولتذهب الأحلام الكبرى كطائرة ورقية أخرجتها عاصفة رملية من قبضة طفل صغير كان يلعبْ!!
الساعة 20 والقليل من الدقائق بتوقيت تامشكط وأعرف أنكم في أماكن متفرقة على الكوكب الأزرق قد فرقتكم الحياة طرائق قددا وأنا لست بالحكيمْ ولكن لدي نصيحة لكم:
ما ترونه بعين الرضا قلا يكون هو عين الصواب!!
وفي ليالي الشتاء لا تناموا قبل تناول العشاء!!