من غير العادة أن نعير اهتماما كبيرا لزوابع الشتاء والصيف التي تعبث بأشيائنا القيمة في عالم الصوت والصورة، وكثيرا ما نغمض عنها عيوننا ونتغاضى ببصرنا الكليل، ونتجاهل حصيات الرمل التي منها والتي لاتؤذي البصر، لكنا أحيانا نلجلأ لسبيل أسهل وأجدى في ردع الغبار المثار على رؤسنا حتى لا نعيّر في المحافل الكبرى بالضياع، وأن على ذروتنا التراب، أما حين تؤذ العين ويخدش إنسانها وهو جزء حساس لاطاقة له بالحلم فلا صبر بعدها لحليم، وما باب الهجاء بمستطاب.
فما قولك حين ببلغ السيل الزبى وتسكت حذام ويهذي باقل ويمسك سحبان وائل، إنه الضياع لعمري والهوان أن يقود الأعشى قافلة المبصرين ويترك له الحبل على الغارب ينهى ويأمر بملئ فيه.
ذلك أقرب ما يمكن أن نصف به حال المواقع الاعلامية المحلية والتي نشأت كأنها وسائل إعلامية تهدف لتوعية المواطن ونشر أخباره وجديد ساحته السياسية والثقافية والاجتماعية وتوجيهه للطريق السليم، وتسلك به طريقا يبسا لا تخاف دركا ولاتخشى،ولا علم لنا حتى تشب عن الطوق وتأخذ مكانها بين الصفحات المحترمة وتمنح حق الحياة والتمدد في ساحة جغرافية كبيرة ترعاها الحرية وتغذيها الجرءة وبساطة البداوة فإذا بها تستأسد و تنقلب لحقيقتها الأولى وتجعل على وجهها قناعا من المصلحة الشخصية وتهمل بنودها التي ولدت لها وأهدافها المنوطة بها، فتنتقل هذه الصفحات من وسائل إعلامية تخدم الخبر والاعلام والواقع الثقافي، إلى ألسنة لرجال معروفين يجاهرون بخصوصياتهم ومكانتهم الاجتماعية، جاعلين من ذلك بابا للرزق ولارتزاق.
وبعد أن أخذت السياسة مكانتها العميقة في قلب المثقف الموريتاني وأصبحت بابا هي الأخرى للعيش، انطبعت هذه الصفحات بألوان السياسة وأخذت كل صفحة من السياسة والساسة بعروة وثيقة، بل وأصبحت تحفر في أساس المجتمع الموريتاني وأصوله باستعادتها لمفهوم الجهوية والقبلية من جديد، وأصبح كل وجه منها ينوب ويمثل مجموعة لا علم لها بذلك وينطق بلسانها.
إن الغرب وهو صاحب القرار اليوم ولما أدرك أن وسائل التواصل الاجتماعي التي تبث عبر فضاءات حرة أجدى نفعا من الأفكار الخبيثة وأسرع خدمة لدس سمه النقيع، أنشأ هذا العالم الافتراضي البسيط وجاء بفكرة الاعلام الالكتروني لتيسير الفكرة وتسهيلها وترويجها وتلميعها وجعلها في متناول الجميع وحتى يغيّب الرادع الاخلاقي والوعي المرافق للانسان، فأنت لو راقبت نفسك وأنت تكتب على صفحتك الخاصة في الفيس بوك مثلا فستشعر أنك تكتب وتعبر بكل أريحية لا شيئ يزعجك، وامتدت الفكرة وتجذرت وأثمرت هذه المواقع الالكترونية التي أصبحت تملأ الدنيا وتشغل الناس وهي حديث الساعة، وتزعج بعضنا في صمتها وبعضنا في مهنته وبعضنا في منامه وعالمه اللاوعي.
ولا ملامة تلحق هذه المواقع ولا مسؤولية عليها مما يشاع عنها ويثبت عليها من الاهانة و إنما تقع المسؤولية على عاتق من ترك لها الزمام على الغارب وتركها تموج في فيافي الحرية، ومتاهات الاعلام جاعلة من ذلك وسيلة لهدف آخر يختلف من صفحة لأخرى، إضف إلى ذلك أن هذه الصفحات استجلبت كل من لا منهة له وجعلته مسؤولا في غير محله.
إننا نجهل خطورة الكلمة ونجهل قيمتها في عالم هادئ تنتقل فيه الكلمات بسرعة أكبر من سرعة الضوء وتؤدي أضعاف ما نقصد بها في وقت قصير، فنحن من يملك مستقبل إعلامنا ومن يمكن أن يغير الصورة التي يحملها الآخر عنا ونعير بها بعضنا، ومازال في الوقت متسعا لتصحيح الخطأ لمن شاء ذلك، فالبدار البادار أيتها الهابا وأيتها السلطة التي تملك مسكة من الرأي والقوة.
إن ما يعانيه الاعلام الالكتروني اليوم وما يلطخ صورته هي نكسة ثقافية تؤرقنا، و تحيط رقابنا جميعا ولا مهرب لأحد منها مهما كانت مكانته وبعده من هذا العالم، فمن شاء منكم أعارني أذنه ومن أبى فليعلم أن قول كلمة في إصلاح الاعالم هو أقل ما يجزء في هذا الباب.
إن الاعلام الالكتروني اليوم هو أجدى نفعا وأكثر رواجا فعلى من أراد أن يقدم خدمة لموريتانيا أو أراد إنقاذها من صدمة لا قبل لأحد بها أن يبدأ بإصلاح هذه الصفحات وإصلاح الرجال القائمين عليها يثني العنان دون تقدمها بهذه الوتية فهي لعمري بئس السلاح الفتاك، ونعم الدواء لمن أراد علاج الاعلام وتغيير صورته التي مازاتل في طور النشأة والتكون والبناء،.
ديدي نجيب