أجمع خبراء موريتانيون بينهم مساعد سابق لأمين عام الأمم المتحدة وسفراء وإداريون متقاعدون ومختصون أمنيون على «أن أزمة الشمال المالي معرضة للتعقد والتوسع إذا لم توظف الخبراء والوسائل والتجارب لإيجاد حل لها قبل أن تستفحل...
وتتحول إلى تهديد دائم للسلم الدولي». هذه الخلاصة توصلت لها نقاشات تفاعلت أمس ضمن ندوة سياسية وعلمية افتتح بها مركز «دار» للدراسات والبحوث في موريتانيا نشاطاته؛ وتركزت هذه النقاشات على تحليل أبعاد ومخاطر الوضع القائم في شمال دولة مالي وتأثيراته في الماضي والحاضر والمستقبل علي السلم الاقليمي والعالمي، كما توقفت عند دور موريتانيا في حل مشاكل شمال جمهورية جارتها الجنوبية الشرقية.وتناولت العروض التي قدمها ديبلوماسيون ورجال أمن وإداريون خدموا طويلا في المنطقة، محاور عدة بينها تأصيل تاريخي موسع للأزمة المالية، وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية.
وتوقف النقاش مطولا حول المقاربة الدينية لمكافحة التطرف والغلو الذي يشكل الخلفية الخطيرة لأزمة مالي، كما تطرق للمقاربة الأمنية الموريتانية، وإمكانية استفادة جمهورية المالي من تجربة موريتانيا في مجال التصدي للإرهاب. وتحدث المحاضرون عن قدم الأزمة المالية مؤكدين أنها ليست أزمة جديدة بل هي أزمة تطورت من قضية محلية في شمال مالي في مطلع ستينيات القرن الماضي، إلى قضية وطنية مالية في سبعينياته، قبل أن تصبح اليوم قضية دولية في بعض جوانبها وإقليمية في جوانب أخرى منها.واستبعد المحللون أن يكون سبب الأزمة المالية سببا إيديولوجيا مؤكدين أن أسبابها اقتصادية بالأساس وناجمة عن إهمال الشمال المالي وتركه عرضة للفقر والحرمان، مما ألجأ سكان الإقليم للمجموعات المسلحة في منطقة أزواد واستقطابها للسكان الذين وجدوا فيها مصادر للعيش ظلت تبخل عليهم بها حكومتهم المركزية.
وأكد المحاضرون أنه من الواجب والمهم إقناع النخب السياسية من سكان جنوب مالي بعدم جدوى نظرة التعالي التي يتعاملون بها مع أزمة الشمال، وبضرورة التوجه نحو سياسة الحوار والتصالح بين جميع الماليين واعتبارهم سواسية سواء من منهم في الشمال أو في الجنوب.ودعا المشاركون في الندوة للتعجيل بتنسيق إجراءات فعالة وناجعة لإيجاد حل سريع تشترك فيها دول جنوب الصحراء بتوفير الإمكانيات المادية والبشرية الكبيرة بالتنسيق مع الاوروبيين والامريكيين، المهتمين بالموضوع من جوانبه المتعلقة بالإرهاب وبالجريمة المنظمة والمخدرات.واقترح المحاضرون الاستفادة من خبرة وإمكانيات الجزائر وبوركينافاسو في الوساطة لحل نزاعات مشابهة في دول عديدة، كما اقترحوا الاستفادة من مقاربة موريتانيا في مجال مكافحة الحركات الإرهابية في جانبيها الأمني والديني، مبرزين أن موريتانيا تمتلك من الامكانيات لحل أزمة مالي ما لا يملكه غيرها إذا استغلت تلك الإمكانيات بصورة علمية وسليمة.وتوقف المحاضرون طويلا أمام ارتباط أمن موريتانيا واستقرارها بالصراع القائم في شمال مالي وبخاصة مناطقها الشرقية، التي شهدت تدفق أعداد هائلة من اللاجئين الماليين الذين أصبحوا يشكلون أعباء تفوق طاقة المرافق العمومية وتهدد بتغيير ديمغرافي في موريتانيا مستقبلا، إضافة لما تسببه من عدم الأمن في مناطق الحدود، وهو ما أثر ويؤثر سلبا على النشاطات والمبادلات التجارية بين البلدين.
عبدالله مولود
«القدس العربي»: