هوامش على حرق الكساسبة ,, أحمد فال ولد الدّين

لم أستطع النوم باطمئنان البارحة.
فلا تكاد تمر ساعة من ليل حتى أجد صورة الشاب الحريق ماثلةً، وآهاتِ ذويه في مسمعيَّ صاخبة. أتخيل الحزن الذي يحطم الجبال جاثما على صدورهم، وأتخيل الأفكار التي سكنت خيالهم طيلة فترة احتجازه.
فقد جربتُ وجربتْ أسرتي مرارة انتظار الغائب البعيد المعلق بين الموت والحياة. هي تجربة لا يحسها إلا من ذاقها، لا أراكها الله أخي القارئ أبدا!
بعد ليلة مريرة، وددتُ مشاركتكم هذه الملاحظات.

– حرقُ هذا الشاب بهذه الفظاعة درس قاس لا ينبغي لنا إهماله كما أهملنا دروسا كثيرة خلال السنوات الأربع الماضية. إن الفئة المتشفية التي أحرقته فئة مريضة عقليا ودينيا ثقافيا. لا خلاف في ذلك. وبسبب هذا الالتواء الفكري والعقلي لديها هو التواء البيئات الاستبداية التي تسيطر على عالم الإسلام. فالناظر إلى مسار العنف في بلادنا يلحظ ارتباط تصاعده وتوحشه بعنف المستبدين وطول حِرابِهم. فالتكفير والهجرة خرجت من سجون عبد الناصر، وكذا الجماعة الإسلامية التي اغتالت خليفته. فكل فعل متوحش له ردات أفعال أكثر توحشا. ذاك منطق فيزياء الفكر.
– لقد تغولت القاعدة وانتشرت بعد غزو العراق. فلم يكن في المغرب الإسلامي قاعدة قبل غزو بغداد مثلا؛ بل كان العنف هناك مقتصرا على العنف داخل الجزائر الذي جاء هو الآخر بعد اغتيال الحلم الديمقراطي مما أقنع الشباب أن التغيير عن طريق الوسائل السلمية أسطورة.
– كلما كان الاستبداد فظيعا، كانت ممارسة هذه الجماعات أقسى وأعنف وأبعد عن العقل. فتنظيم الدولة الإسلامية ولد بعيد احتلال العراق وتغولِ الكتائب الشيعية. لكنه ظل داخل العراق وعَزَلَه المجتمع ولم يجد حاضنة تؤويه إلى أن جاء مهندس البراميل المتفجرة -بشار الأسد- فانتعش التنظيم ووجد الحاضنة الشعبية بسبب صور القتل والحرق التي يمارسها هذا السفاح. وبذلك يكون السفاحان: بشار والمالكي، والظهير الإقلمي والعالمي هم من أوجد حاضنة اجتماعية للتنظيم.
– لم تمر على حركات العنف السياسي فترة من الفترات هي فيها أضعف من فترة انتصار قيم الربيع العربي. فخلال تلك الأشهر ضعفت هذه التنظيمات ووقعت فيها مراجعات وأعرض عنها شبابٌ بعد أن رأى الشباب جهارا نهارا أن الطريق السلمي يمكن أن يُغير، وأن حِراب المستبد يمكن كسرها بالمظاهرات والكلمات. لكن تحالف الثورة المضادة الموتورة، وجيوش الهزائم التي مردتْ على التجارة والفساد، والقوى الدولية التي رأت في الأمر نهضة حضارية لأمة غابت عن منافستها طويلا، تحالفت لإجهاض المشروع والحرب على أبرز متصدريه: التيار الإسلامي المعتدل.
– لم يُحرق المرحومُ الكساسبة أمس، بل أحرق يوم 14 من أغسطس من عام 2013 وسط القاهرة. أحرق يوم تحركت دبابات جيش السيسي وأحرقت آلاف الشبان والفتيات وهم يهتفون: “سلميتنا أقوى من الرصاص”. وقع ذلك وسط تصفيق المؤدلجين الكارهين للتيار الإسلامي المعتدل، ومباركة القوى الإقليمية والدولية. إن مباركة ذلك الحرق، أدخلت الحرق إلى عالمنا منذ تلك اللحظة. لقد أحرق المرحوم الكساسبة يوم قررت الولايات المتحدة وبعض فصائل التيار القوي التصفيقَ للسفاح بشار وهو يحرق يوميا 100 طفل وامرأة ببراميله المتفجرة.
– إن التآمر على التيار الإسلامي المعتدلِ الصارخِ وهو يُذبَح: “سلميتنا أقوى من الرصاص” ولّدّ جماعات عنف جعلت معظم المتأملين اليوم يترحمون على أسامة بن لادن. لقد كان بن لادن يسعى قدر الاستطاعة لتجنب قتل الأبرياء من المسلمين، وكانت له هيئة شرعية تدقق في حكم أي عملية يقدم عليها. أما الآن فقد أصبحت مثل هذه المؤسسية والتشبث بأحكام الشرع مثار سخرية الشباب في جنبات سوريا. فظهور هؤلاء الشباب تسيل دما من سياط الجلاد، وأبناؤهم مُعاقين ببراميله المتفجرة، وأزواجهم شائهاتٌ بسبب حرائقه. فأنى لهم التعقل وانتظار رأي الشرع.
– والخلاصة، أنه لا أمل في وقف هذا الجنون إلا إذا أدرك العرب والمسلمون أنه لابد من عقد اجتماعي يصون كرامة الإنسان ويحتقر الظلم والقهر والاستبداد. وما لم نتفق على ذلك فلتتأكدوا أن الدم لا يلد إلا الدم، وأن المستبد لا يترك وراءه إلا أيتام مساجينيه، وثكالى قتلاه، وأحفاد معاقيه.

أربعاء, 04/02/2015 - 11:05

          ​