لو عرضت على نفسك كنوز الدنيا وملكتها..فإن رغبتك ستولد من جديد وبلا حدود، فأنت مقيد بالحاجة ولولا الحاجة لعلمت أنك غني بالوجود..إنها تعميك دائما عما عندك وتريك ما بيد غيرك على أنه نهاية الأمل والطموح، وكأنه الفوز العظيم ..ولو نزعنا الحاجة من قلب ابن آدم لأدرك و بسهولة أنه في قمة الرفاهية والهناء ..ولو نظرنا معا إلى الدنيا على أنها مرحلة ثابتة لا نهائية وقسناها بمعايير مادية بحتة لجلسنا نبكي ونندب حسرتنا وكمدنا وأقمنا عند الأزمة الأولى حتى نموت كمدا..
ولو عدنا صوب الايمان والحقيقة وفكرنا في صميم الوجود وطبيعته وأصله فستتجلى أمام بصرنا أكبر هدية يمكن أن نفرح لها ونتمتع بها ونعيش بشعورها أعمارا أخرى، ونبني على أساسها لحظاتنا وأعمالنا وأفكارنا وأقوالنا وانطباعاتنا وانفعالاتنا وقدرتنا وإرادتنا وأعني بكل ذلك نعمة "الفناء المؤقت"..فأمتع ما نسلي به انفسنا أننا خلقنا للخلود ...إنها فكرة الوجود والخلود ...فلا شيئ يعيننا على تجاوز عتبات هذا الظلام الحزين الذي نسميه "دنيا" غير تلك الفكرة التي نؤمن بها ونخفيها في أذهاننا عن الأبد والسرمد والفناء ...
فنشفي ارواحنا من ظلام هذا الواقع العنيد ونقتص من الزمن وأيام الضعف والهوان ...فكل ما هدنا هم أو زارنا غم أطلقنا العنان لصمتنا لتنقلنا اللغة إلى عالم الخلود والسرمد والفناء حتى نغسل أرواحنا من أدران هذه الحياة الكئيبة الزائفة التي يتهالك أهلها من أجل متعة ومكانة وسمعة تبقى هنا بعد حين...زمن القناعة هو ما أعيشه صمتا بمفردات كتومة وجريئة ...تعرف طريقها صوب الحقيقة ولا تخطئ حين تراد وتقصد.
ديدي نجيب