جاء في تدوينة للأخ الفاضل/ أحمد سالم زياد، أنه لا يشجع تكسير اللغة العربية، لكنه لا يريد أن تكون قواعد اللغة أغلالا تمنع من الكتابة بها.
وقال إنه يعرف بعض الناشرين(المدونين) الذين التزموا بالكتابة بالفصحى، مع أنهم يُخطِئون في الإملاء، ومع مرور الوقت تحسَّنَ مستواهم في النحو والإملاء. ويعرف آخرين استسلموا للكتابة بالحسّانيّة(يقصد موريتانيين)، وبالحروف اللاتينية، وبذلك حَرَموا أنفسهم من تحسين مستواهم في اللغة العربية الفصحى. وخَلُصَ إلى أنّ المدافعين عن اللغة العربية يجب ألّا يُنَفِّروا الناسَ من الكتابة بها، وأنّ ثَمَّةَ فرقًا بين الدِّفاعِ والاندفاع، وبين الهجوم والتهجُّم.
(انتهى ملخص الأفكار الرئيسة الواردة في التدوينة المذكورة). 2-التعليق: هذا كلام جميل لاغبارَعليه، وأتّفِق-مبدئيا-مع الأفكار النيرة الواردة فيه التي تدعو إلى الوسطية في هذا الأمر، لكنَّ مَن يقرأ ما بين السطور قد يَسْتشعِر في مضمون ما تفضل به الأخ الكرم، نوعًا من الدعوة إلى غض الطرف(أو التساهل) عن ظاهرة انتشار الأخطاء في وسائل الإعلام المختلِفة، بصفة عامّة، وفي الإعلام الإلكترونيّ، على وجه الخصوص. ونظرا إلى أنني من الداعين إلى الحرص-قدرالمستطاع- على سلامة المتداوَل من لغتنا العربية الجميلة، لغة القرآن الكريم، فقد ارتأيت أن أذَكِّر الإخوة والأصدقاء والزملاء-المعنيين والمهتمين-بوجهة نظري المتواضعة بهذا الخصوص. وذلك على النحو الآتي: لقد قلتُ في مقال سابق، بعنوان: "رأيٌ في مسألة الأخطاء الشائعة"(منشور إلكترونيا، وفي مدونتي"اللغة العربية أمّ اللغات")، ما يأتي: في ضوء تجربتنا، على مستوى هيئة تحرير مجلة " اللسان العربيّ" ، الصادرة عن مكتب تنسيق التعريب بالرباط، التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والتي تُعنى بنشر البحوث والدراسات الخاصة بقضايا اللغة العربية والتعريب والترجمة والمصطلح، وجدنا أن أغلبية البحوث التي يَبعث بها إلينا أصحابُها من أجل النشر بالمجلة، مملوءة بالأخطاء:
النحوية والصرفية والإملائية والأسلوبية..، مما يدل على تدني المستوى اللغويّ لبعض هؤلاء الكتاب)ولا نقول كلهم)، من جهة، وعلى إهمالهم وعدم اهتمامهم باللغة العربية، من جهة ثانية. ولعلنا نلتمس لهم العذر، في الجانب الأول، فنستنتج أن تدني مستواهم ناتج من ضعف مستوى المناهج التعليمية في الوطن العربيّ، بصفة عامة.
ونُحمِّلهم ، في الوقت نفسه، مسؤولية الإهمال المتمثل في عدم تصحيح إنتاجهم، بواسطة ما يُعرَف بالمُدقّق اللغويّ، بعد أن أصبحت مَهَمَّة المدقّق اللغويّ مهنة معروفة ومُعتَرَفاً بها عالمياً، تَمَاماً مثل: مهنة المستشار القانونيّ، والمستشار العقاريّ، والمحامي.إلخ. فلِمَ لا يكون لنا مستشار لغويّ؟ وهنا أريد أن نشير إلى أن وسائل النشر تتحمل مسؤولية أخلاقية (وكذلك الأفراد الناشرون)، في حالة نشر ما يُفسِد الذوقَ السليم، من نصوص ركيكة مهلهلة، لأن هذه النصوص ستؤثِّر في القارئ/ المتلقي تأثيراً سلبياً، فالقارئ يتأثر ، سلباً أو إيجاباً، بما يقرأ. ولا أكون مبالغا إذا قلتُ إنّ هذا النوع من النصوص يُعَدُّ من "الملوِّثات الفتَّاكَة"، فَضرَرُ مُلوِّثات البيئة أخفّ من ضرر "ملوِّثات " اللسان والثقافة والفكر، خاصة بالنسبة إلى من ليست لديهم "مناعة" لسانية أو ثقافية أو فكرية، وهم الناس العاديون (غيرالمتمكنين من اللغة) الذين يقرؤون ما يُكتب ويُحَاكُونَه في كتاباتهم وفي أحاديثهم. وبعد أن تشيع الأخطاء الواردة في هذا النوع من الكتابات أو الأحاديث، يكون من الصعب سَحْبُها من "سوق الاستعمال".
وهنا نخضع للأمر الواقع، ونقول: هذا الخطأ أصبح مشهوراً، و"خطأ مَشْهُورٌ خَيْرٌ مِن صَوَابٍ مَهْجُور". وهذه كارثة، لأن هذا الخطأ أصبح مشهوراً بين عشية وضحاها، بسبب ثورة الاتصال وسرعة انتشار المعلومات، وإذا استمر الوضع على هذه الوتيرة، فالنتيجة معروفة سَلَفًا. وبخصوص اللجوء إلى الكتابة بالحسّانيّة، أعتقد أنّ هذا الخيار غيرُ موفقٍ، فالحسانية- شأنها في ذلك شأن العامّيّات العربية الأخرى-تصعب قراءة النص المكتوب بها-حتى على أهلها- إذْ ليست لها قواعد كتابية ثابتة، كما أن نطق ألفاظها يختلف من منطقة إلى أخرى(فهي لغة مَحكية/غيرعالِمَة).
ومِن ثَمَّ، فإنّ انتشار ما كُتِبَ بها سيكون محدوداجدًّا. وعلى كل حال فإنّ المطلوب هو:
1 -يجب أن تكون الكتابة بالفصحى، حتى تعم الفائدة(وليس بالعامية للأسباب المشار إلى بعضها).
2-ابن آدم خطّاء، والمسألة نسبية. وجَلّ مَن لا يُخطِئ، وهو الله تبارك وتعالى.
3-يجِب على الناشر/ أو المدون أن يجتهد من أجل تحسين مستواه في اللغة والنحو والصرف والبلاغة والأسلوب...وفي ذلك قيمة مضافة تكسي إنتاجه جمالا ورونقا، ويمكن أن يستعين في ذلك بشيخ وبالمران، أو-عند الاقتضاء- بمدقق لغويّ، ومن المؤكد أنه سيأتي يومٌ يستقل فيه عن الشيخ وعن اللغويّ.
4-لا يجوز، بأيّ حال من الأحوال، إحراج الكاتب أو المدوِّن بتتبع أخطائه بطريقة مباشرة.
5-ينبغي أن نستمر جميعا-كل من موقعه-في نصح من يَتصَدَّى للكتابة وتوجيهه، بالإكثار من نشر القواعد المُعِينة على الرفع من مستواه، والتنبيه على الأخطاء الشائعة المنتشرة فيما يروج من نصوص، حتى يتمكن الكاتب أو المدون من نشر إنتاجه بأسلوب يحافظ على الحد الأدنى من القواعد التي تَواضَعَ عليها أهلُ الاختصاص.