أنا ... و الزويرات ... و عيد المرأة

 ــ البطاح

كما طلب مني ، نمتُ مبكراً عند أهل "عينينا" في حي شرقي مقطع لحجار ، و فجر ذكرى مجزرة عمال "البطاح" سنة 1970(سنتي الإبتدائية الخامسةCM1) أيقظني المرحوم المناضل الزاهد الصبور عبدو ولد محمد ولد أحمد (ول ودُّو) لأحمل علبة الطلاء الأزرق و أكتب شعارات ،على جدران السوق والحي الحكومي ،تمجد شهداء الزويرات ،وتؤكد الإصرار الثوري على مواصلة الدرب حتى تتحقق مطامح "البروليتاريا" في العدالة و الحرية و ديمقراطية الطبقة العاملة، صاحبة الحق الحصري فيها.

ومنذ ذلك اليوم و ما تلاهُ من اعتقال (مع ترويع خفيف لمراهق متحمس) ظلت "البطاح" عالقة متسمرة في ذاكرتي ، رغم التحولات الكبرى و الأفراح و الأتراح و استبدال الاسم الجميل و اختزاله في "المضاف إليه".

صحيح أن الرومانسية الثورية قد حلت محلها الواقعية الوقوعية ، والايمان بالأهداف والمبادئ والآداب الثورية و الفنون تم استبدالها بالسح و الدح و العهر و التفكير بالبطون و متتاليات المجون والجنون...حتى كادت الأرض بمطارها وطرقها المسفلتة وظاهرها البهرج أن تخفي الفاقة والعوز و الامراض المتوطنة و الاستكانة للإهانة ... و قيل إن الروح العمالية لفظت أنفاسها المطلبية و نفَسَها النضالي...وتحكم فيها المرابون و الدجاجلة و المشعوذون...

تذكرت سنة1980عندما انتخب رفيقي المناضل الكوري ولد حميتي أمينا عاما لاتحاد العمال الموريتانيين على رأس تحالف يساري عريض عندما كتبتُ نشيد العمال الذي لحنه المرحوم الجيش و لد سدوم :أخي في البطاح و في تيرس ** أخي في المناجم في المكتبأخي يا رفيق الكفاح الطويل** وضَّــاحَ جـبينِ الإبا التـــّرِبِوقدمتُ له بالقول..."لكن اليد الدامية من أثر المعاول لكسب القوت الحافي تعرف كيف تمسك بقرون بهموت الإستغلال ...و تتقن برؤيتها الثاقبة توسيع نهاية النفق لتبصر النور لا محالة...المجد لحامل معول البناء ومنجل الحقل وكراسة المعهد... و أشفعته بأبيات من قصيدة : نحيب الكف ..."كفكف دموعك مهما كفُّكَ انتحبا *و اروِ المدى غضبا ما أقدسَ الغضبا"

2 ــ البطاح بعد الانبطاح

بعد الثقافة الحجارية (نسبة إلى عاصمة الثورة والوفاء مقطع الحجار) جاءت عهود نضالية مجيدة في يوميات بلاد السيبة وتنوعت القيادات و تعالت رايات الفكر (كل الفكر)اليساري اللاهب المسكون بالعدالة الاجتماعية و هموم الناس في العيش الكريم و الطبيب الرحيم و التعايش السلمي السليم...و زادت حرب الصحراء أوَّار الثورة في النفوس و تفاقمت الحالة المعيشية و توقف القطار المنجمي عدة مرَّات فكانت الحمية للبلد ــ المتعرض لحرب أرادها قادته عن طيبةٍ تجافي قانون لعبة القوى الكبرى و الوسيطة وخطوط الحرب الباردة الصفراء و البنية و البنفسجية فالحمراء بينهاــ تتصارع في النفوس مع الإحساس بأن الآخر الذي تقاتله منك ..فلم يحرك العامل البطاحي ذراع الرفض أو المساندة للحرب ، لأن ثقافة "الميوعة" القبلية والجهوية كانت أداةً بدت الحاجة ماسة إليها للتعبئة ضد الخصم المحارب لا سيما بعد "خبطتيْ نواكشوط"، و اصطبغت بمظاهر مخزية من استهداف الناس بأمارة بشرتهم و لون أسنانهم و مخارج حروفهم في عملية "اصطياد الساحرة" أو حجة "يمه عينك عين النعجة"...فكان ما كان مما لستُ أذكرهُ .وفي هذه الحمأة فَقَدَ النضال المنجمي رافعته المطلبية جزئيا ليتحول مع الانقلابات إلى صراع بين الحساسيات الايديولوجية على الامساك بنقابات الشمال ، و كانت اللجان العسكرية المتتالية تقرب هذا و تستبعد ذاك في شطرنج غبي القواعد أنهك العمال في حروب نقابية ألهتهم عن النهب المنظم للثروة و الفساد الذي كانت تممارسه ثلةمن السماسرة تعيش الآن شيخوخة باذخة بين ظهرانينا يعود لها "شرف" تأسيس مدارس إفسادية تخرج في كل عهد ذئابا فتيَّة تنشر المذهب بين المريدين مجددة الأساليب مبتكرة الأنماط( كانت إحدى الزوجات ترسل طائرة مدير عام سنيم لتجلب مائدة محببة إلى معدتها من مسقط رأسها) ...وهكذا تلاشت المطلبية و استعر التنافس النقابي السياسي الذي انددمج إلى الودجين في مستنقع الشرائحية و المناطقية و غابت الإيديولوجيا الإنسانية التي هي قاعدة المطلبية العمالية ،فلا ثورة بدون حمولة فكرية ولا حمولة فكرية لمن لا يستهدف وحدة الأنسان وعزته ولا عدالة بدون نضال و لا نضال بدون طبقة ثورية عاملة تسندها طليعة ثورية عالمة ...ليست التوصيفات أعلاه لغة خشبية يابسة بل عصارة تجربة الانسانية ، بتفاوت في التفاصيل و تكامل في المبادئ، من كمونة باريس إلى عمال مناجم البطاح:قف بالبطاح زميلي....فماذا عدا على مابدا حتى ينبعث العامل البطاحي من جديد ؟ سؤال بحجم الأمل و الكارثة ...فهل من مجيب ؟؟؟؟؟؟

____________________________3 ــ يوم 8 مارس1975 ...يتبع...

من صفحة الشاعر الكبير ناجي محمد الإمام على الفيس بوك

 

اثنين, 09/03/2015 - 20:38

          ​