ربما لا يعجب البعض أن يكون للمرأة يومها وعيدها السنوي للحديث عنها وعن حقوقها وعن فرضها لاحترامها في عالم سواء كان غربيا يحصرها في إعلانات تجارية واستهلاكية، أم عربيا يحصرها في المطبخ ويقتلها بحجة جرائم «الشرف». وقد لا يروق لآخرون في أن يتم الحديث عن المرأة في يوم واحد بحجة أن الحديث عنها لابد وأن يكون يوميا في سبيل نيلها لحقوقها ومناهضة العنف المنزلي، الجسدي والنفسي الذي تعانيه أينما تواجدت وحتى اللحظة. لا أريد المقارنة بين حال المرأة العربية في بلادنا وحال المرأة الغربية في فرنسا، فلا تصح المقارنة بين مجتمع تشكل بفضل ثورات اجتماعية عدة وخاصة ثورة أيار/مايو 1968 حيث انتج فلاسفة ومفكرات وسينمائيات ومثقفات في مجالات الحياة العديدة وبين آخر يستمر في تهميشها وضربها وقتلها وإذلالها لتظل خاضعة تحت سيطرة مجتمع ذكوري مريض لا يرى فيها سوى الجسد دون أي إشارة لعقلها وأفكارها. لا أريد أن أبسط حقائق اجتماعية أتت نتيجة لدراسات اجتماعية ونهضات وثورات قامت بها المرأة الفرنسية لتحظى بحقها في التصويت في الانتخابات مثلا، وامتلاكها وحدها حرية التصرف بجسدها فيما يتعلق بقرارات هامة كالإجهاض الذي أقره قانون سيمون فيل والذي أتى كثمرة جهد وعناء طويل أثارته مفكرات نسويات كسيمون دي بوفوار كي تمتلك المرأة جسدها بعيدا عن الدين والمجتمع الذكوري المهيمن آنذاك.
ولكن وللأسف ورغم الحقوق التي نالتها الفرنسيات بعد عناء لمدة سنين طويلة، يلحظ المجتمع الفرنسي اليوم تراجعا في القيم النسوية. ففي الإعلام لا تتعدى صورة المرأة الفرنسية إطار «جسدها» وأصبحت فتيات «التيلي رياليتي» أو تلفزة الواقع نجمات وبطلات تقتدي بهن الفرنسيات. وبالنسبة لدينا فإن الوضع ورغم السنين الطويلة ورغم الثورات فلا يزال المجتمع العربي ذكوريا، خانقا لحرية المرأة ويمنعها في أن تمتلك أبسط حقوقها وهي التصرف بجسدها والتعبير عن أفكارها بحرية ومن دون خوف. ومن منا لم يتابع مؤخرا مثالا بسيطا على الذكورية المريضة التي تحتمي خلف قناع الدين والأخلاق والشرف فيتجرأ فيه شيخ «وقح» بأن يصرخ بصوته على مذيعة آمرا إياها بأن تسكت؟! ولكي أكون منصفة ولو قليلا لابد وأن أذكر بأن فرنسا تعد متأخرة مقارنة بدول إفريقية ودول أمريكا الجنوبية والتي سبقتها في انتخاب امرأة كرئيسة لبلادهم، قرار لا يزال معقدا ومحظورا على الذكور، في مجتمع فرنسي ذكوري لا يثق بأن تتولى إمرأة رئاسته، كما سأذكر بأن رواتب النساء الفرنسيات تقل عن تلك التي يتقاضاها الرجال رغما عن تشابه المؤهلات والمنصب الوظيفي!
«شاهد مذيعة تشتم على الهواء»!
لأظل في جو المرأة وحقوقها ومعاناتها في بلادنا، سأتحدث عن الإعلامية ريما كركي والتي تعمل في قناة «الجديد»، وعن فيديو تناقلته الصحف العالمية والعربية، يشيدون بفرضها لاحترامها على داعية إسلامي أثناء مقابلة أجرتها معه. لقد أوقفت كركي الداعية عند حده، حينما نسي الأخير آداب الحديث واللباقة والاحترام وأطلق العنان لذكوريته وصرخ وانفعل في وجه المذيعة وتجرأ بأن يطلب منها أن تسكت.
لم تصرخ المذيعة ولم ترد على صراخه بالإهانات بل أوقفت الحوار لتفرض احترامها طالبة لزملائها في الاستديو بوقف الحوار مبررة بأن الاحترام يجب أن يكون متبادلاٍ «يا بلا من الحوار كلو».
كركي ليست الأولى التي تهاجم كإعلامية من قبل «شيوخ» كانوا أم مثقفين، لا يفقهون في الدين والآداب شيئا، فمن لا يذكر أيضا الحملة الكريهة والاتهامات التي تعرضت لها الإعلامية غادة العويس، مذيعة قناة الجزيرة، التي تمس بكرامتها وجسدها وحياتها الشخصية! وكم أود لو أعرف إن تجرأ مثل هؤلاء ووجهوا الاتهامات نفسها التي تتعلق بالـ«جسد» وما يختلقونه من مصطلحات مخصصة بجسد المرأة كالـ«شرف» حينما يتعلق الأمر بإعلامي رجل؟! وحين يتعلق الأمر بالمديح فما علينا إلا وأن نتوجه إلى «يوتيوب» فنتقيأ لمجرد قراءة تعليقات تمتدح «أجسادهن وشعورهن» بدلا من مهنيتهن وشجاعتهن في اقتحام مجالات خصصت ولاتزال مخصصة في بعض المجتمعات للرجال فقط!
كم منا سيمتدح المذيع «الرجل» لجماله وحسنه؟ وكم منا سيمتدح الإعلامية لمهنيتها و«شطارتها» وجدارتها بدلا من «جمالها» و«لون صبغة شعرها»؟! والمشاهد ليوتيوب، ما عليه إلا وأن يرى عدد المشاهدات التي تربط المذيعة بالـ«جسد» لا بالـ«مهنية» ويرى كم من العناوين السطحية التي تجد متابعيها تحت عناوين «شاهد مذيعة تسقط على الهواء» «شاهد مذيعة تُشتَم على الهواء» و«شاهد مذيعة تصرخ على الهواء» وفيديوهات أخرى لا تعطي الإعلاميات العربيات حقهن بأن يكن مهنيات في عملهن سواء كن جميلات أم لا. ولا يسعني إلا أن أشكر ما «يتحفنا به» كلا من عمر أديب وعكاشة من فيديوهات كي يكون للرجال نصيبهم من «البهدلة» أيضا!
راهبة «عارية الصدر» لاستقبال البابا فرانسيس!
ولكي نبتعد قليلا عن جو «الإهانات» و«الشرف» في بلادنا، ولننتقل إلى أوروبا، ولنتمعن قليلا في فيديو عرضته قناة «تي.إف.أن» الفرنسية، نقلا عن المحطات الإيطالية، يوضح ما يمكن أن يعتبر «تحريضا» من قبل ماركة ملابس نسائية وإيطالية، وذلك لقيامها بعرض لإعلان يبلغ التسعة أمتار في مدينة نابل الإيطالية، تظهر فيه إمرأة عارية الصدر ومرتدية لغطاء رأس الراهبات وممسكة بمسبحة ومرتدية لجينز أزرق. ويعتقد البعض بأن الإعلان يعتبر تحريضا ومسيئا للمتدينين في المدينة ولا يتناسب مع زيارة البابا فرانسيس المتوقعة في الواحد والعشرين من الشهر الجاري.
لوريال «إنك تستحقين الأفضل» ودوف تدعو للأفكار الإيجابية!
تحدثت كثيرا في مقالات سابقة عن صورة المرأة في الإعلام وبخاصة في الإعلانات التجارية وقارنت بين صورة المرأة العربية في الإعلانات التجارية العربية والتي تنحصر فيها بين جدران المطبخ لتحضر الساندويشات لأولادها بعد عودتهم من المدرسة، وتعتني ببقع ملابسهم بمساحيق الغسيل، وبين صورة المرأة الفرنسية التي تنحصر في كونها «إستهلاكية» و«مادية» تلهث وراء سيارة فاخرة، عطر رجالي ومزيل عرق رجالي أيضا أو معجون حلاقة! ما يتغير اليوم هنا في فرنسا هو مهارة الماركات التجارية في الترويج لصورة جديدة تناسب المرأة الحديثة والتي تتميز بقوة الشخصية والإرادة والاستقلالية. فمثلا ماركة كماركة لوريال الفرنسية كانت من أوائل من استخدم مصطلح «لأنك تستحقين الأفضل» متحدثة بصوت المرأة وعن المرأة واستحقاقها لما هو الأفضل لها، لها «هي» بعيدا عما يريده لها «الرجل» والصورة التي يريدها أن تكونها لتعجبه! أما ماركة إيف سانت لوران الفرنسية فكانت أيضا من أوائل مَن شجع المرأة على استقلاليتها لتتخلص مما يفرضه عليها المجتمع من صورة نمطية لامرأة خاضعة مرهفة بجانب زوجها الثري، لتصمم ملابسها بطريقة مريحة وعملية تتلاءم مع شخصيتها المستقلة والعاملة. ومؤخرا قامت ماركة الصابون «دوف» بنشر فيديو تطالب فيه نساء من مختلف الأعمار وبمقاييس جسد مختلفة بكتابة ما يمثل «أزمة» لديهن بالنسبة للمظهر ويشعرهن بالاستياء. لقد أتت ردود الفعل مختلفة لتتحدث إحداهن عن «عقدة نفسية» بسبب ابتسامتها التي تشبهها بوجه الفأر، وأخرى تحدثت عن ازدياد في وزنها، وأخرى عن عدم تناسق جسدها مع نحافة ساقيها. ويظهر في الفيديو فيما بعد ردود أفعالهن عند تكرار النقد وتذكيرهن بالـ«عقد» التي تمت الإشارة إليها بصوت عالي وفي مكان عام ليتضح مدى انزعاجهن من نظرتهن «السلبية» لأنفسهن. الغريب أنهن شعرن جميعهن بالاستياء من طريقة نظر كل منها لذاتها، لجسدها ولجمالها. الفيديو يوضح مدى تأثر المرأة بصورتها الخارجية في مجتمع استهلاكي، لا يكف عن تذكيرها بمظهرها الخارجي والذي لا يتناسب مع ما تفرضه الماركات التجارية المتخصصة بالبشرة، والحمية وأخرى كماركات الملابس العالمية التي لا ترحمها إن تناولت قطعة بيتزا. ولأسباب عدة أهمها وعي المرأة لذاتها ولحريتها تقوم جمعيات نسوية بمحاربة الإعلانات التجارية التي تظهر في المحطات التلفزيونية الفرنسية لتمنع من عرضها.
الفيمن «أجساد» بلا «أفكار»
ولأنهي مقالي المخصص عن المرأة في عيدها، لابد لي من الحديث عن «الفيمن» حيث عرض فيديو قصير على قناة «كانال بلوس» الفرنسية، ليعطي نبذة عن قصتهن ويتحدث عما أثرنه من ضجة خلال تعديهن على سيارة دومينيك ستروس أثناء توجهه إلى المحكمة للتحقيق في قضية «إساءته الجسدية لعاهرة» خلال حفلاته الماجنة. لقد خصصت مقالا سابقا أيضا عن «ستروس كان» وأريد هنا التركيز فقط على ظاهرة الـ«فيمن» أو عاريات الصدر في سبيل تحقيق العدالة كما يعبرن عن أنفسهن. المثير للجدل أن «الفيمن» ينسقن ومن دون أي تردد إلى تحويل أجسادهن لسلع تتناقلها وسائل الإعلام في سبيل الظهور على أغلفة المجلات وتخصيص فيديوهات تتحدث عنهن في محطات الأخبار. ويذكرني الحديث بمقال لكاتبة وصحافية في جريدة «لوموند ديبلوماتك» تنتقد فيه حركة «فيمين» تحت عنوان «فيمين: الحركة في كل مكان، والنسوية لا وجود لها». لقد ابهرت الفيمن بفتياتها الشقراوات وصدورهن العارية وسائل الإعلام الفرنسية ولكن إلى أجل قليل. فما لبثت أضواؤهن أن خفتت ليكتشف الجميع مقدار السطحية في تعاملهن مع الأمور والقضايا الشائكة فلا أفكار ولا نسوية معمقة وراء ظهورهن الإعلامي، غير تعرية الصدر والتبول على صور في الشوارع. وربما لا نتعجب من هجر التونسية أمينة التي تعرت وأحدثت الضجة من حولها جراء ذلك دفاعا عن حقوق المرأة العربية، ولم تتردد في الإنشقاق عن حركة فيمن بعد انضمامها القصير إليهن نظرا لاختلاف الآراء، فالتعري بدون أفكار دفاعا عن قضايا اجتماعية شائكة كقضايا المرأة، فقط عن طريق تعرية الصدر والصراخ السطحي والساذج، لن يلبث إلا وأن ينطفئ نوره، ويصمت صوته، لتطفو السطحية في نيل الحقوق والمساواة كفقاعة على الواجهة!
أسمى العطاونة
كاتبة فلسطينية تقيم في فرنسا