أكد علي عبد الله موسى المنسق العام للمجلس الدولي للغة العربية، أن سبب ضعف أداء المؤسسات الحكومية والأهلية والإنتاجية في تحقيق التطور والنماء الوطني، يعود إلى ضعف المؤسسات التعليمية في إعداد وتأهيل الطلاب والطالبات المبدعين والموهوبين والمتفوقين في دراستهم وتحصيلهم العلمي.
وأوضح أن ضعف المنتج التعليمي والمخرجات، يعود إلى ضعف الطلاب في اللغة التي لم تؤهلهم لفهم واستيعاب المادة العلمية، ولا تساعدهم على التفكير والعمل والإبداعي، ما يجعل البعض يلجأ إلى اللغة الأجنبية لتكون لغة التعليم والإدارة وسوق العمل والتجارة، ولكن النتائج لن تعزز الوحدة والاستقلال والسيادة والقيم الوطنية، بل على العكس، سوف تؤدي إلى تشقق وتشظي المجتمع على المدى البعيد.
جاء ذلك خلال فعاليات مؤتمر اللغة العربية الثالث، الذي انطلق أمس في دبي، برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وذلك في فندق البستان روتانا في دبي، ويستمر لمدة ثلاثة أيام، يناقش فيها قضايا تتعلق باللغة العربية من خلال 435 بحثاً و7 جلسات و73 ندوة.
استثمار
وقال المنسق العام للمجلس الدولي للغة العربية، خلال كلمته أمام المؤتمر: إن الاستثمار في اللغة الوطنية يعني الاستثمار في الإنسان والأجيال القادمة، وضمان وحدتها وتمسكها بقيمها وثوابتها ومكتسباتها ومرجعياتها وتاريخها، ومنحها الفرصة للمنافسة في كافة الميادين، مع محافظتها على هويتها، والاستثمار في الجودة والإتقان والإبداع والابتكار في كلّ ما يتعلق باللغة العربية من وظائف وأعمال تعتمد على المهارات والقدرات والتفكير.
وإذا كانت العملة الوطنية من أهم المقومات الوطنية ولا يمكن أن تحل محلها عملة أجنبية، فإن اللغة الوطنية أهم أدوات تشكيل العقول الوطنية وتعزيز المواطنة والوحدة والسيادة والاستقلال.
وبين الدكتور علي موسى أن الفجوة تتسع يوماً بعد يوم بين اللغة العربية ومعطيات العصر وعلومه وصناعاته وتقنياته الحديثة، وعدم المبادرة إلى سد هذه الفجوة سوف يجعل اللغة العربية خارج العصر والحياة. وأضاف: عندها سيكتب التاريخ أننا نحن من ضيع على أمتنا وأجيالنا الحالية والقادمة الفرصة للمحافظة على لغتهم وهويتهم وقيمهم وثوابتهم ومرجعياتهم، وربما أوطانهم، وإذا كانت بعض دولنا تعاني من التحديات الأمنية الداخلية التي تهدد السيادة والاستقلال والوحدة.
وأوضح أن ذلك يعود إلى الخلل في تفكير مواطنينا الناتج عن ضعف لغتهم وارتباطهم بلغات أجنبية ومشاريع خارجية تجعلهم رهينة لها على حساب المواطنة الصالحة، وبالتالي، تتحول تلك العقول إلى عقول مناهضة ومتصادمة مع القيم والثوابت المحلية، وتنفصل العلاقة بينها وبين مرجعياتها وثوابتها وقيمها الوطنية.
24 ندوة
وتضمن اليوم الأول للمؤتمر 24 ندوة، وناقشت قضايا وموضوعات في الشعر العربي، والشعر عند غير العرب، والقضايا العامة في الشعر والنحو والنصوص القرآنية وخطب الجمعة، إلى جانب جهود المؤسسات الحكومية والأهلية في خدمة اللغة العربية، ونماذج من الدلالات في القرآن، فضلاً عن النحو في المؤسسات التعليمية، والترجمة والإعلام في اللغة العربية، وأثر الإعلانات التجارية في اللغة العربية والمجتمع.
تطبيقات
كما تضمن ندوة للمركز التربوي للغة العربية لدول الخليج بعنوان «نحو منهج جديد للغة العربية في التعليم العام، وموضوعات في اللغة والنحو، وقد ناقشت الندوات التقنية وتعليم اللغة العربية وتطبيقات تقنية في المجالات اللغوية، والرواية والمسرح والخطابة في الأدب العربي، واستخدام التقنية في تطوير ونشر اللغة العربية، فضلاً عن تقويم المناهج والمعلمين والتعددية الثقافية والهوية، وتطوير مناهج وتديس اللغة العربية.
إحصاءات
بلغ عدد الأبحاث المشاركة في المؤتمر الثالث للغة العربية 435 بحثاً، ويتضمن المؤتمر في أيامه الثلاثة 7 جلسات و73 ندوة، وبلغ عدد المسجلين حوالي ألف و500 مسجل من 76 دولة. ويشارك في المؤتمر 130 أستاذ دكتور، إلى جانب 630 دكتوراً و350 من حملة الماجستير و291 من حملة درجة البكالوريوس و19 من حملة الثانوية العامة.
وبلغ عدد أبحاث المؤتمر الثاني للغة العربية 373 بحثاً، وفي المؤتمر الأول 269 بحثاً.
الإمارات بذلت جهوداً لتعزيز مكانة لغة الضاد
ناقشت الندوة الأولى في المؤتمر الدولى للغة العربية، الاستثمار في اللغة العربية ومستقبلها الوطنى والعربي والدولي، جهود المؤسسات الحكومية والأهلية في خدمة اللغة العربية للنهوض باللغة على الصعيد الرسمي والخاص.
وأكد الدكتور عماد الدين تاج السر فقير عمر أستاذ الإعلام المساعد في كلية المعلومات والإعلام والعلوم الإنسانية في جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، أن الإمارات بذلت جهوداً كبيرة على كافة الأصعدة والمستويات الرسمية والخاصة، لأجل تعزيز مكانة اللغة العربية، وتفعيل دورها في الحياة المجتمعية المحلية والعالمية، وتعد حزمة المبادرات التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والتي حوت ميثاق اللغة العربية، دليلاً عملياً على اهتمام الدولة بصاحبة الجلالة اللغة العربية.
وقال: جنباً إلى جهود الدولة الرسمية، يسعى العديد من أبناء الدولة إلى تفعيل تلكم المبادرات وتحويلها إلى واقع حياتي يخدم اللغة العربية، ويعزز مكانتها في حياة الناس، ومن تلك النماذج، كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي، تلكم التجربة العلمية الوقفية الرائدة التي أسسها جمعة الماجد، لتصبح منارة علمية هامة، وواحدة من مؤسسات التعليم العالي التي تهتم باللغة العربية، وتعزز مكانتها في دولة الإمارات ودول مجلس التعاون، بل في المنطقة العربية والعالم أجمع.
فصول افتراضية
ومن جانبها، سلطت الدكتورة فاطمة عبد الفتاح محمد من الجامعة الأميركية بالقاهرة، الضوء على توظيف الفصول الافتراضية والبلاكبورد في تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها في التعليم المدمج والتعليم عن بعد، وسط سباق اللغات الحية لتحقيق أكبر قدر من الإفادة التقنية التي يقدمها المنجز التطبيقي لعصرنا هذا، في مجال تطوير تعلّم اللغات وتعليمها، وعرضت في ورقتها تجربة عملية لتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها داخل الفصول الافتراضية، ودمجها في بيئة والبلاكبورد.
ولا تقتصر أهمية التعليم في الفصول الافتراضية على برامج التعليم «عن بعد»، بل يستخدم أيضاً في التعليم المدمج الذي صار لا غنى عنه في العصر الحديث، بسبب ما يوفره من مزايا تفضيلية، حيث يدمج المعلم بين نظام التعليم المباشر والتعليم عن بعد، باستخدام التقنية الحديثة لتوفير مزايا أكبر للدارسين، ولإيجاد حل ناجع للمشكلات الزمكانية للصف التقليدي.
توظيف التقنيات
وتهدف ورقة العمل إلى تقديم نماذج عملية تطبيقية لتوظيف تقنيات الفصول الافتراضية في أنشطة لتنمية المهارات اللغوية الأربع «الاستماع والكلام والقراءة والكتابة» لدى الطلاب الناطقين بغير العربية، وهذا التقديم يستند إلى التمازج بين خصائص بيئة إدارة التعلم وبيئة الفصل الافتراضي في استغلال خصائص كل مجال لتشكيل وسيط اتصالي تفاعلي، حيث يقدم هذا «العرض التقديمي» طرقاً تقنية توفر محاكاة للتفاعل الديناميكي المباشر بين المدرس والطلاب داخل بيئة الفصل الافتراضي، لتتغلب بذلك على مشكلة الحاجز المكاني، بحيث تمكن المدرس من تنفيذ الأنشطة التدريسية التعاونية والتفاعلية.
ويعد عرض هذه الخبرة التدريسية خطوة على طريق تبادل الخبرات، من أجل تطوير تعليم اللغة العربية وتعلمها، لجعلها تواكب اللغات الحية الأخرى التي سبقتها في هذا المجال، من حيث إقبال الدارسين عليها.
مطالبة بإجراءات ملزمة لحماية العربية
أكد المشاركون في جلسة دور المؤسسات التشريعية، والقانونية في حماية اللغة العربية، أن لغة الضاد تحتاج إلى تشريعات وقوانين، تحميها وتقوم على رعايتها، والحفاظ عليها لتواجه مزاحمات اللغات الأخرى، فضلاً عن إجراءات ملزمة ضمن خيارات وطنية وقومية جمعية، معتبرين أن هذه التشريعات تحافظ على اللغة بقوة القرار.
وأدار الجلسة الدكتورة شيخة العري عضو المجلس الوطني الاتحادي، حيث تحدث في البداية الدكتور محمد الضبيب عضو مجلس النواب رئيس تحرير مجلة العرب قائلاً: إن جميع الدساتير في الدول العربية تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، وهذه الدول تكتفي فقط بهذه الجملة ولا تؤازرها بقوانين وتشريعات، لافتاً إلى أن اللغة جزء من سيادة الدولة، وعنوان من هذه السيادة، ويجب أن توجد تشريعات وقوانين، تحميها وتحافظ عليها، ويجب متابعة هذه التشريعات لينحسر ظل اللغات الأجنبية التي هيمنت على جامعاتنا.
وأشار عمر محمد زين أمين عام اتحاد المحامين العرب إلى أن المحامين العرب يعانون من مشكلات تتعلق بالتعابير الخاصة بالقوانين والتشريعات، حيث تختلف العبارات والكلمات من دولة إلى أخرى.
وقال: نحن في الاتحاد عملنا على توحيد هذه المصطلحات، منذ 1944 في جميع الدساتير والتشريعات والقوانين، ولكن مع الأسف هذه المصطلحات لا تزال مختلفة، وغير موحدة، ونأمل بتوحيدها.
ولفت إلى أهمية المشاريع الاسترشادية للقوانين، داعياً المجلس الدولي للغة العربية أن يكثف جهوده، والعمل مع جميع المنظمات والهيئات على توحيد المصطلحات القانونية، وحماية اللغة العربية كونها الهوية الوطنية للامة.
بدوره قال الدكتور عبد الله الناصر عضو مجلس الشورى السعودي: إن اللغة العربية اليوم تواجه تحديات كبيرة، وتتعرض إلى مزاحمات ومضايقات وإبعاد عن الساحة الثقافية، واللغة اليوم تحارب من أهلها، وتحارب باسم الثقافة والأدب.
عنوان الأمة
قال جمال جاسم زويد أمين عام مجلس النواب البحريني: أن اللغة العربية عنوان الأمة واللسان الناطق لها، وتشكل هويتها والحفاظ عليها، وصونها ضرورة تتطلب منا أن نعمل بقوة لتعزيز مكانتها، وهذا الأمر يمثل مصلحة وطنية، كون هذه اللغة تعبر عن قيمنا وآصالتنا.
وأضاف: إن اللغة تواجه محاولات لتشويهها وإضعافها وتجلى ذلك في السنوات الأخيرة من خلال هيمنة اللغات الأجنبية وبتنا اليوم نرى عزوفاً من أبنائنا عن لغتنا الأم، لذلك يحتم علينا الاهتمام باللغة العربية والحفاظ عليها.