تعتبر اللهجة الحسانية المنطوقة في موريتانيا من أكثر اللهجات العربية قربًا من الفصحى، إضافة إلى أن المجتمع الموريتاني القبلي – الذي شهد نهضة ثقافية متميزة – يعتبر في نظر العارف به مجتمعًا عالمًا.
حيث يسيطر معظم الموريتانيين على ناصية اللغة العربية وآدابها.ويدلل الدكتور عبد العزيز بن عبدالله السنبل، نائب المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، على حذق الموريتانيين اللغوي فيقول: «إنك قد تدهش لو مررت على راعٍ لإبل في صحراء موريتانيا الواسعة وهو يحدو لإبله بشعر امرئ القيس وعنترة والأعشى، بل لما تحدث هذا الراعي تجده ملمًا بالقرآن الكريم والحديث الشريف، ويحفظ الأنظام الفقهية واللغوية كنظم ابن عاشر في الفقه، والأجرومية في اللغة».
ويقف وراء انتشار هذا المستوى الثقافي الرفيع بين الموريتانيين عاملان هما: عامل الأنظام وعامل الحفظ، فقد رسخ الموريتانيون في نهضتهم الثقافية تقليد نظم المتون، وذلك من أجل تسهيل حفظها، كما اعتنوا بحفظها عن ظهر قلب، وقد تميز الموريتانيون في رحلاتهم إلى المشرق بهذه الميزة؛ فعرفوا بأنهم علماء حفظة، ولذا قلما يشارك أحدهم في مناظرة علمية إلا وتفوق فيها.
يقول المفتش الفرنسي العام – أيام الاستعمار – «جاك بيرى»: «لا يوجد أي مجتمع بدوي بلغ مبلغ البيضان الشناقطة في العلم بالعقيدة والتاريخ والأدب والفقه وعلوم اللغة». والواقع أن شهادته هذه تعبر بكل دقة عن المستوى الذي بلغه هؤلاء القوم في التمكن من الثقافة العربية الإسلامية في جميع مكوناتها مقارنة بغيرهم من الشعوب وخاصة البدوية منها، مما جعلهم على قدر يسمح بمقارنتهم بعلماء الحواضر العربية الكبرى في فاس وتونس والقاهرة والحجاز والعراق والأردن والسودان حتى تركيا.
فلقد كانت رحلات الأعلام الشناقطة إلى الحج رحلات علمية تقتضي من أصحابها المرور بأغلب الحواضر الإسلامية فتكون لهم لقاءات بأعلامها مما خلد لهم ذكرًا رفيعًا في أغلبها