ذكريات مفعمة من عالم المونديال السحري… ليست مجرد كأس العالم! عيسى الشيخ محمد

أفتح حصالتي على ثروة من الصور التي جمعتها من ست كؤوس للعالم، بين أولها و آخرها تمتد أيام الطفولة والشباب، أيام جمّعت بينها الكرة، وفرقت بينها الأمكنة، لم تكن كأس العالم مجرد كرة فحسب، بل ذكريات الألفة وأرخبيل الصداقات المتناثر، و الوجوه التي غادرت، والوجوه الجديدة التي طرأت.

 

لم تكن مجرد كأس عالم، بل مسبحة طويلة، تكرّ حباتها بين المدن والوجوه و الأسماء.

 

بيونس آيرس 1978صار الراديو الصغير من ممتلكاتي الشخصية، لا أدري إلى الآن لمَ بتّ أستأثر بالجهاز الصغير، آخذه معي إلى المرعى في الأمسيات مع خالي الأصغر الذي يكبرني بعامين، نفرك أذن المؤشر، لتطلع علينا أصوات وأنغام من الشرق و الغرب، مونت كارلو ـ لندن ـ صوت أمريكا ـ سورية ـ العراق ـ وفي المساء صوت العرب ـ إذاعة الكويت.في الثالثة عشرة تخطيت المرحلة الابتدائية، وأستعد للذهاب إلى المدينة، لا أعرف من كرة القدم سوى الكرة التي في المدرسة، التي تعطينا إياها الآنسة (المعلمة) فننقسم إلى فريقين، لا يجيدان سوى الجري وراء الكرة من المرمى إلى المرمى. كنت الأقل حظاً بين الفريقين السيئين، لكنّ شيئاً ما كان يأخذني إلى عالم الكرة.صوت عدنان بوظو المريح يأتي في الخامسة إلا ربعاً، مسبوقاً بموسيقى عسكرية صاخبة، يتحدث عن شيء اسمه كأس العالم، وعن فريق عربي اسمه تونس قد تعادل مع ألمانيا، وهكذا حضر أبطال جدد إلى ساحة المعركة لم أقرأ عنهم في سيرة بني هلال (قراتها في الصف الخامس)، حضرت أسماء الشتالي والنايلي والعقربي وتميم وطارق ذياب ونجيب الإمام.

 

هكذا فجأة حضر أبطال تحدث عنهم مذيع رخيم الصوت في أماسي الخامسة إلا ربعاً، بينما الظلّ ينكسر وتميل الشمس للاختباء وراء البيوت مؤذنة بالغروب، وأصدقاء أبي يجلسون على بساط أعد على عجل فوق أرض مرشوشة بالماء. فيما يجب علينا ـ نحن الأبناء ـ أن نحضر الشاي والماء، وقد أصحب الراديو إلى المرعي سائقاً خرافاً صغيرة إلى الأراضي المحصودة.قبل أن أذهب إلى المدينة، و أتلاءم مع أترابي الذين لا ينجو أبناء القرى من سخرياتهم وشرورهم مستمعاً إلى أحاديثهم عن تميم وطارق ذياب، وعن أبطال العالم الجدد الأرجنتين، كيمبس وباساريلاّ، وأستمتع بصداقة أحد المهووسين بالكرة.كان فريد ولقبه (ششّة بشّة) يتيم االأب لأسرة مكونة من ولدين وبنت، تكسب أسرته قوتها من تأجير غرفة في البيت، ومن عمله في الصيف بائعاً للكاتو والصحف، وكانت قراءته المبكرة قد أخذته إلى عالم الكرة، ليؤلف فريقاً صغيراً يلعبون في شوارع القامشلي الضيقة وساحاتها أيام العطل.

 

فريد كان يخبرنا عن مشاهداته في التلفزيون ـ الذي لم أشاهده حتى الآن ـ عن البرازيل والأرجنتين وتونس، ومحمد علي كلاي وجورج فورمان، وعن بيليه اللاعب الأسطورة، الذي رأيت صورته في جريدة.ذلك الهوس الذي نقله إليّ فريد، لأتابع الرياضة بقراءة جريدة الموقف الرياضي التي أشتريها بعد ظهر كل اثنين، وأنا عائد من المدرسة، لأقرأ عن الدوري السوري، وفريقنا الوطني الذي هزم التونسيين في دمشق بهدفين، أثنت الصحافة على أحدهما الذي جاء من تسديدة بعيدة للاعب غريب الاسم: «كيفورك ماردكيان»، وقبل أن تنخر سوسة القراءة والرياضة معاً، فتأخذ منا الكتب والتفوق الدراسي، نحن أسرى التلفزيون الذي صار يغزو بيوت القرية.

أحد, 15/06/2014 - 09:27

          ​