قصة الحزب الديمقراطي الدنيوي - أقصوصة

مائة عام من النضال مرت.. تقوس الظهر، وارتخت الأحبال الصوتية، وولت الهمة أمام جحافل الضعف والعجز المقيدة.. هو ذا اليوم شيخ ضعيف بالكاد يصلب عوده.. ورغم ذلك يصر على حضور المهرجان الأخير.. كيف يتخلف عن تلبية نداء المعارضة وفيه عرق ينبض؟! انسحب من الحزب خلال رحلة النضال الآلاف، وانضم إليه الآلاف.. وتعالت الهتافات المنددة مئات المرات، وأخرستها الأدخنة الغازية المؤيدة عشرات المرات.. نفس الثرثرة المعهودة، ونفس النفاق المبتسم، ونفس الثقافة الملعونة التي تلهي عن رب العالمين.. نفس الوجوه العابسة الضاحكة، والمبادئ الصادقة الكاذبة.. ولا شيء يتغير..

اليوم رغم الثقل والمرض، يصر الأمين العام للحزب الديمقراطي الدنيوي على إلقاء كلمته في المهرجان، وفي الطريق يعترض الموت السبيل.. يجلسه الملكان في القبر، ولا يسألانه سؤالا واحدا عن النضال الذي أفنى فيه عمره.. تمت.. عندما نشرت هذه الأقصوصة المتواضعة في حسابي، كتب احد الإخوة الأفاضل معلقا: "لا أدري ما سبب كرهك للسياسة كأنها ليست من الدين، وكأنك تردد مقولة الدين لله و الوطن للجميع، عزيزي الفاضل: إن الحكم إلا لله، والسياسة من الدين، والدين من السياسة، وكل واحد يخدم هذا الدين من موقعه، والخلافة واجب شرعي، والبيعة واجب شرعي، وطاعة ولي الأمر من المسلمين واجب شرعي. بالتأكيد سيأتيه الملكان ويجلسانه ويسألانه عن عمره في ما أبلاه، هل في السعي وراء خدمة العباد وإصلاح البلاد، وكل ذلك ابتغاء وجه رب الأرباب أم نفاقا وسمعة ورياء؟ كل يحاسب على نيته. عند مناقشة هموم العباد هذا لا يعتبر لغوا، والمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي يعتزل الناس"..

 

فكتبت مجيبا له: ليس المقصود التعميم في هذه الخاطرة، فمن الناس فضلاء يتشبهون بالملائكة، وإن كانوا أندر من البترول، ما اقصده بهذه الخاطرة هو تحذير رجال السياسة – وكل من ينهمك في أمر دنيوي يشغل باله ووقته الثمين عن الطاعة، وإن كانت الوظيفة أو التجارة، من الغفلة عن الآخرة..

وقولي أن المناضل الكبير لم يلق في قبره السؤال الذي يفرحه، وهو طبعا سؤال حول الحزب الديمقراطي الدنيوي، فيه إشارة إلى أن العمل الذي لا فائدة فيه يكون هباء يوم القيامة.. ولا اقصد أن أعمال أهل السياسة أو التجارة أو غيرهم، لا فائدة فيها على الإطلاق، بل اقصد أنها وحدها لا تكفي، كمن يقول لك "العمل عبادة" ثم يقتصر على تلك العبادة، فيمضي عمره في الكد نهارا، والشجار مع الزوجة ليلا، وعندما تحين لحظة الأجل لا يجد أمامه إلا الأعمال التي قام بها بالصدفة وبدون حساب!. والإنسان منا عليه معرفة انه موجود في هذه الدنيا لعبادة ربه، وذلك يتطلب بذل مجهود أكبر، أكبر حتى من مجهود العمل، والهرولة إلى المهرجانات، فذلك هو الإمتحان الحقيقي الذي تتمخض عنه نتيجة حقيقية، أعاننا الله على طاعته جميعا.. فمثلا عندك العلوم الشرعية، تتطلب وقتا ليس بالقصير لتعلمها والعمل بها، كمعرفة العقيدة (التوحيد الذي هو الأساس)، وطريقة العبادات الواجبة والمستحبة، وحفظ القرآن الذي يجب أن تعطى له أولوية في الوقت مقابل الكثير من الأولويات التي لا تنفع، لا في الدنيا ولا في الآخرة.. فإذا قيل لك أنك ستجني من قراءة كل حرف من القرآن دولارا، فهل ستتوقف عن القراءة؟ إن المؤسف هو أنك ستجني من ذلك آلاف الحسنات التي تصرف في الآخرة، يوم لا يكون للدولار

 

أدنى اعتبار.. وأنا لا أكره السياسة كلها، بل أكره الموجود منها اليوم، فهو ليس سياسة دين ولا دنيا.. مجرد مراوغة وخداع، واتباع للمصالح العمياء، وإذا لم تصدقني اسأل زعيم حزب ديمقراطي إسلامي عن حكم جواز الكذب في السياسة؟ فالسياسي الذي لا يكذب لا يصلح كما يقولون..

أما السياسة النافعة للمسلمين فغير موجودة اليوم - وهذا رأيي المتواضع، والمثير أكثر هو أن هؤلاء السياسيين لا يبذلون أدنى جهد من أجل الدفاع عن دينهم بجعله الأساس..

ومن المشهور عندنا أن السياسة وسيلة للربح، لا أقل ولا أكثر، مهما كثر تشدق زعمائها، وتخللهم بألسنتهم، اسأل أي عامي عاقل وسيجيبك بذلك (وتذكر قولي: عاقل)..

وتحذيري للسياسيين هو إثارة لأمر واقع هو: هوس السياسيين بها لدرجة عدم اهتمامهم بغيرها.. فهو رسالة مفادها: أيها السياسي انتبه.. أيها الشاب المؤمن بالسياسي انتبه.. أيتها المرأة المحترقة بأشعة الشمس في سبيل دعم السياسي انتبهي..

 

ولو كان حمل هم هذا الدين على ظهور السياسيين لما سُمح لهم أصلا بممارستها.. اللهم إلا إذا تحقق حلم الزعيمين الفاضلين ولد داداه ومسعود، وقامت الخلافة الديمقراطية في بلدنا.. أما بالنسبة لقولك: "والمؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خير من الذي يعتزل الناس"، فهذا صحيح إذا كانت مخالطته لهم من أجل تغييرهم إلى الأفضل، أما إذا كان هو من سيتغير إلى الأسوأ (أي يؤثرون عليه، وهذا حال اغلب المنضمين إلى السياسة)، فخير له ألا يخالطهم.. إن أسوأ ما في لعبنا للسياسة هو قذارتها، واعتمادها على المصالح الآنية الضيقة، واستحقاق نسبة كبرى من أهلها للقب "المناضل الرويبضة"..

 

سيد محمد ولد أحمد [email protected]

ثلاثاء, 08/07/2014 - 08:29

          ​