مسلسل صديــق العمـــر .. عودة إلى كاريزما جمال عبد الناصــر

استطاع جمال عبد الناصر أن يحقق حضوراً طاغياً في ذاكرة الأمة العربية، بما لم يحققه أي زعيم من قبله، وكذلك من بعده، إلى درجة أن أقصى ما أراد أي زعيم أن يبلغه في فترة حكمه هو أن يرتقي إلى شبه بهذا الرجل، ولذلك كانت منتهى أمنية حافظ الأسد كما قال، أن تقام له جنازة شبيهة بجنازة عبد الناصر، وفي الوقت الحاضر وبعد مرور كل تلك السنوات، ما يزال أحدث رئيس لمصر يأمل أن يكون كمثل عبد الناصر، وهنا تكمن ميزة الرجل بحيث لايخطر في بال أحد أن يتجاوزه، بل أقصى ما يمكنه الذهاب إليه هو أن يبلغ مرحلة الشبه به.

لذلك ما يزال عبد الناصر مهيمناً على سائر وسائل الإعلام، وعلى جل أحاديث الناس، وما يزال يثير الانتباه من خلال ما تمتعت به شخصيته من غنى. لقد امتلأت أفلام سينمائية، ومسلسلات تلفزيونية كثيرة بجوانب عديدة من شخصية هذا الرجل، وكلها كانت تسعى إلى اكتشاف شيء جديد من سمات شخصيته، أو من حقبة حكمه، والآن تبث قنوات تلفزيونية عديدة مسلسلاً جديداً عن حياة هذا الزعيم، تحت عنوان ملفت هو:(صديق العمر) يكاد يركّز على مفهوم عبد الناصر للصداقة من خلال علاقة الصداقة المتينة التي جمعته بصديق عمره المشير عبد الحكيم عامر.إذا نظرنا إلى حياة عبد الناصر، سيجلو لنا أن هذه البطولة لم يحققها بمفرده، بل حققها من خلال قوة علاقاته بالآخرين، وما هو مهم هنا، وما لم يلتفت إليه الزعماء الذين أتوا من بعده أن عبد الناصر كان يمنح الفرصة للآخرين كي يظهروا ويحققوا بطولات إلى جانبه، دون أن يجعل من نفسه البطل الأول والأوحد في كل شيء، ولذلك ازدهرت حقبته بالأبطال في شتى الميادين، فكان ظهور أم كلثوم، وعبد الحليم، وعبد الوهاب، ومحمد حسنين هيكل، وعبد الحكيم عامر، والسادات، وحسني مبارك، وآلاف الشخصيات في مختلف الميادين، وكان تحقيق أول وحدة عربية،

 

وكان تأميم قناة السويس. لم يحتكر عبد الناصر البطولة لنفسه، لأنه كان مدركاً بأنه لايستطيع أن يكون بطلاً بدون الآخرين، بل لايستطيع أن يفعل شيئاً مجدياً بدونهم، وما هو مميز هنا أن عبد الناصر لم يكن يعتمد على الذين يوالونه ويصفقون له، بل كان يمتلك مقدرة على اكتشاف الشخصيات العبقرية في مجالاتها، ويتعاون معها، ويبني معها علاقات قويمة، فكان يفسح المجال لكل شخصية أن تتبوأ مكانها المناسب الذي يمكن لها أن تبدع فيه.إن ظهور مسلسل عن حياته في هذا الوقت المضطرب، هو حاجة ملحة وفق المستجدات التي حصلت وتحصل في المنطقة العربية برمتها، وهي إشارة أخرى بأن المجتمعات العربية تحتاج إلى شخصية مستنيرة وحكيمة وناضجة كعبد الناصر كي تصحح المسار، ولا أخفي بأن الشعب الكردي ينتظر من الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي أن يساند حقه في تقرير مصيره في موقف تاريخي استيناري، ذلك أن تاريخ العلاقات الكردية المصرية يقف على أركان قويمة وفق جذور العلاقات التي تربط بين المجتمعين المصري والكردي منذ مئات السنين، وأن استقلال كردستان ربما يقدم الحل للكثير من العقبات في المنطقة لأنه حق طبيعي لشعب يعيش على أرضه منذ آلاف السنين، وهي ليست دولة مستحدثة، بقدر ما هي عودة إلى دولة وجمهورية كردية كانت قائمة، وهي تقف على مقومات الدولة من نشيد وطني، وعلم، وبرلمان، وحكومة، وتاريخ، وشعب بنحو أربعين مليون نسمة، وهي لاتكون معادية لأحد بقدر ما تكون صديقة للجميع وبشكل خاص للجوار.أراد عبد الناصر أن يفجّر كل تلك الطاقات الإبداعية من حوله، فكان ذلك حافزاً له كي تتفجر طاقاته وإمكاناته لتتشكل ملامح شخصية جديدة تُعرف بعبد الناصر.

 

أجل، فإن المرحلة تحتاج إلى شخصية قويمة كعبد الناصر، ذلك الرجل الذي كان بإمكانه أن يمارس العنف في كثير من المواقع سواء مع الأفراد أو مع الجماعات، بيد أنه لبث متمسكاً بالحكمة وترجيح كفة الحوار، وهنا تكمن أهمية الرجل الذي ينجح في معالجة المعضلة بلغة الحوار ويؤثرها على لغة السلاح. إن مثل هذا العمل التلفزيوني الجديد، هو موجّه إلى سائر الزعماء العرب، وبشكل أقرب إلى الزعيم المصري الجديد ، وهذه وقفة فنية وثقافية من أجل لفت الانتباه فحسب، لأن تلك هي وظيفة الفن والثقافة.

 

سبت, 12/07/2014 - 08:00

          ​