المغاضبونَ وبرزخُ الاستحقاقات!

تابع المناضلون في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، بارتياح، ما اعتبره بعضهم، بوادر إصلاحات لم تقتصر على تسلُّق هرم الهيكلة الحزبية، فحسب، بل لاحت في الأفق مؤشرات على تتالي حلقات مسلسل التعديل والإصلاح ليطال نصوص الحزب وهيئاته القيادية إجمالا .

 

ولعل غياب مثل هذا النوع من المراجعة والتمحيص هو السبب الأول لما عاشته أرضياتُ قواعدِ الحزب من تصدّع،  في موسم الاستحقاقات التشريعية والبلدية المنصرم، ما أربك أداء حملاته الانتخابية و أثر سلبا على حصاد المجهود السياسي التراكمي، وبخَّر أكثر من سلة انتخابية بين عشيةٍ وضحاها.

لكن الحديث عن تعديل في بعض مواد النظام الأساسي ولمسة التجديد والنبرة الديمقراطية المضمرة في خطاب القادة الجدد، وتغريد البلابلِ على أغصانٍ ظلت ولمدة خمس سنوات حكرا على الصقور، بِشاراتٌ تسمح لمن في الحزب أن يحلم ويترقب الجديد والمزيد.

 

فزيادة أعضاء المجلسين التنفيذي والوطني مؤشرُ رغبةٍ لدى القادمين الجدد، في القطيعة مع الشخصنة والزبونية والأحادية، التي عشَّشتْ في أذهان البعض طيلة مأمورية الحزب الماضية، دونما مواربة أو استحياء أو نكير .

وخطوات من هذا القبيل، هي بالفعل ما يحتاجه الحزب في هذه اللحظة البرزخية، الفاصلة بين موسمين انتخابيين لكل منهما أهميته البالغة في رسم مسار مستقبل البلد السياسي، إلا أن المرتقب من هذيْن الإستحقاقيْن، مهمٌ ومهمٌ جدا، لأنه يتعلق برأس السلطة وجهاز الدولة التنفيذي.

 

 

ولما كان سوء استخدام بعض الهياكل الحزبية لوظائفها وارتهان بعض مناديب الحزب وبعثاته  لأجندة هذه الهياكل هو الباعث الأوحد لكل ما حصل من ( مغاضبة أو تجميد عضوية أو استقالة أو انسحاب)، كان الأولى ــ ونحن على أعتاب فتح صفحة جديدة ــ أن نقطع الطريق على كل ما من شأنه أن يتسبب في لجوء أيٍّ من مناضلي الحزب لغير ظلِّ خيمة الحزب الوارف، فقطع الطريق على مسببات المغاضبة ـ في نظرنا ــ أولى من استدراج الناس وجرهم إليها .

فحين تكون النصوص والمبادئ الحزبية فوق الأشخاص لا العكس، وحين تتسع مظلة الحزب لكل رواده وحين يكون المجلس التنفيذي للحزب رئيسا ومساعدين وأمينا عاما وأعضاء على مسافة واحدة من كل منتسب في الحزب، ساعتها يلبس الجميع عباءته الحزبية المجافية للزيف والتدليس والنفاق السياسي، ويتخلص الحزب في اللحظة نفسها، من الزمرة التي عودتنا على تسلق سفن ومراكب الأحزاب السياسية، بدء بحزب الشعب مرورا بالحزب الجمهوري الديمقراطي ، والحزب الجمهوري في نسخته المعدلة 2006 وحزب عادل ـــ لتحقيق مآربها الذاتية الضيقة .

 

  

الجرأة في التعديلات الحزبية، تزامنا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسيات المقبلة، بارقة أمل انقسم المراقبون بشأنها إلى فريقين: رأى أحدُهما فيها مجرد إجراءات شكلية لاتعدو كونها مراهم لتسكين وامتصاص شحنات الاحتقان لدى كبار المغاضبين واستقبالهم على موائد حزبية تتحلّقُ حولها وجوه لا سوابق عليها، ما يجعلها أكثر قبولا في أعين من لديه تحفظات على ممارسات الأسلاف ، وبالتالي فلا شيء إطلاقا يمس جوهر الفعل السياسي في الممارسة والمضمون .

بينما رأى آخرون أن هذه الإجراءات دليل واضح على تبلور رؤيةٍ ومنهجٍ جديديْن لدى الهيآت القيادية للحزب وأنها تؤرخ لبداية حقبة القطيعة مع شخصنة القرارات الحزبية، وارتهانِها لإملاءات زُبناء، أصرُّوا على إبقاء الحزب محشورا في زاوية اجترار تجارب ألِفوها في مراكبهم الماضية.    

 ويرى أصحاب هذا الرأي أن الإدارة الجديدة للحزب تبشّر بنمطٍ مختلف في الأداء الحزبي قد لا نجانب الصواب إذا ما قلنا إنه نمطٌٌ يبعث على الأمل، وبارقةُ ذلك الأمل بدأت ــ بالنسبة لي ــ حين تم تجاوزُ عقدةِ الخوف من مراجعة الذات، وعدمِ التردد في اتخاذ الإجراءات المناسبة عندما يتأكد أنها كذلك فعــلا .

 

 

ارتياح البعضِ المتمخضِ عن التعديلات الأخيرة في هياكل الحزب لا ينبغي أن تكون النِّكاية و الشَّماتة بالآفلين أوالتنزيه المطلق للبازغين أحد مظاهره، لأن ما حصل ليس أكثر من مجرد بارقةِ أمل في إمكانية ترسيخ القناعة بالثوابت الحزبية المستلهمة أصلا من شعارات البرنامج الانتخابي لرئاسيات 2009م تلك الشعارات التي ناضلنا جميعا من أجلها وعلقنا عليها وعلى رائدها الآمال الكبيرة، لِنُفاجأ، وعلى مدى أربع سنوات ـ أي تحديدا إبان حملة الانتساب في العاشر من ابريل 2010م بوجود نافذين في الحزب يرسمون بالحروف والكلمات ما لا ينسجمون معه في الممارسة والمسلكيات، بل يجمعون أحيانا وبشكل مكشوف بين ازدواجية الولاء الحزبي المعلن عنه واستبطان خذلانه، لدرجة يخالهم من صادفتْه حيثيَّاتٌ من هذا القبيل أنهم يسعون إلى نسفه 

 

 

استئصاله من الجذور، لكن بإخراج محكم، يوهم المراقب عن بُعد أنهم وحدهم هم سدَنة الإخلاص للحزب 

لكن أن تتعمد تنفير الناس من الحزب وتتجاهل نضالهم وانت تعلمه علم اليقين، وتتنكر لمجهوداتهم وتضحياتهم الحزبية   

 فأنت تفعل ذلك، يا أوفى الأوفياء للحزب، بدافع الإخلاص و المهنية الحزبية أم لحاجة في نفس يعقوب  ؟ إلى الملتقى

 

بقلم / محمد ولد الداده رئيس نادي الطينطان للثقافة والتراث وأحد أطر المقطاعة

أربعاء, 21/05/2014 - 10:23

          ​