البطالة في موريتانيا.. أرقام مخيفة واستراتيجيات بعيدة عن مستوى الحلول

رغم عدد سكانها الذي لا يتجاوز ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة، ورغم الثروات الاقتصادية التي تزخر بها البلاد، فإن نسبة كبيرة من شباب موريتانيا تعاني من البطالة والفقر وما لذالك من انعكاسات خطيرة، جعلت البلاد التي تتميز بعرض قاعدة هرمها السكاني، حيث يمثل الشباب حسب الإحصائيات الحكومية 70% من تعداد السكان، جعلتها عرضة للكثير من المشاكل كالانحراف وانتشار الجريمة وغيرها من المآسي الناتجة عن استفحال البطالة في صفوف الشباب، إذ تعد نسبة البطالة في موريتانيا من أكبر النسب المسجلة حول العالم.

 

 

 

جذور الأزمة

يجمع معظم الدارسين على أن الجذور الحقيقية للمشكل تعود إلى فترات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وما صاحب تلك الفترة من جفاف حاد ضرب موريتانيا مؤديا إلى موجات كبيرة من هجرة سكان الأرياف إلى المدن، وخاصة العاصمة نواكشوط، إذ كان معظم النازحين يعتمدون في مصدر عيشهم على نشاط التنمية الحيوانية أساسا، ولم تكن لديهم مؤهلات للتشغيل.

 

غير أن مشكل البطالة ظل في تفاقم مستمر مع الزمن إذ لم تشهد موريتانيا نهضة اقتصادية، وظل اقتصادها يترنح تحت وطأة الفساد وسوء التسيير، ولا يزال إلى اليوم يعاني من مشاكل بنيوية أهمها عدم هيكلة قطاعاته المختلفة لتتلاءم مع الكم الهائل من طلبات التشغيل للوافدين إلى سوق العمل سنويا.

 

وظل القطاع غير المصنف المنفذ الوحيد للباحثين عن العمل مع ما يتميز به هذا القطاع من الفوضوية وعدم الالتزام بقوانين الشغل الدولية والمحلية.

 

أرقام مخيفة

 

حسب الإحصائيات الرسمية فإن نسبة البطالة خلال فترة التسعينات من القرن الماضي ظلت تتراوح بين 21 و 23% من مجموع السكان، قبل أن تشهد انخفاضا قليلا مع بداية الألفية الثالثة، حيث وصلت عام 2004 إلى 20% من مجموع السكان، غير أن معدلات البطالة شهدت قفزة كبيرة إذ وصلت 31% في العام 2008، وواصل مؤشر البطالة ارتفاعه إلى حدود 32% في العام 2010 و 33% في العام 2011.

 

وفي شهر مارس الماضي أعلن وزير الشؤون الاقتصادية والتنمية أن موريتانيا تمكنت من تقليص نسبة البطالة من 31% في العام 2008 إلى 10% في العام 2013، غير أن هذه النسبة قوبلت بالرفض من قبل العديد من الاقتصاديين الموريتانيين الذين اعتبروا أنه من المستحيل أن ينخفض معدل البطالة من 30% في عام 2009 إلى 10% في عام 2013 في ظل معدل نمو لا يتجاوز في المتوسط لهذه الفترة 4%.

 

كما علل هؤلاء الاقتصاديون رفضهم لهذه النسبة بكون الحكومة اعتمدت على بعض المسوح الخاصة بسوق العمل والتي تقيس البطالة وفق مؤشرات تعتبر من يعمل ساعة في الأسبوع على أنه عامل وليس عاطلا عن العمل، سواء كان هذا العمل في القطاع الرسمي أو غير الرسمي حيث أظهرت تلك المسوح معدل البطالة عند 10%، وهي نسبة غير منطقية نتيجة للكم الهائل من العاطلين الذين لم يحصلوا بعد على عمل.

وتُرجح أغلب الدراسات الاقتصادية أن نسبة البطالة لا تزال في حدود 30%، كما توضح تلك الدراسات أن 85% من القوى العاملة يعملون في وظائف غير منتظمة مما يعني الحرمان من الضمان الاجتماعي والصحي وغير ذلك من الحقوق التي تكفلها قوانين الشغل المحلية والدولية، إذ يُشغل القطاع الحكومي في موريتانيا 3% فقط من مجموع العاملين.

 

وحسب تقرير منظمة العمل العربية لعام 2012 فإن موريتانيا من بين 3 دول عربية تعاني من ارتفاع كبير في معدل البطالة وهذه الدول هي جيبوتي والصومال بالإضافة إلى موريتانيا، إذ تصل نسبة البطالة بهذه الدول 33%.

إستراتيجيات دون مستوى الحلول

 

ظلت الحكومات المتعاقبة على إدارة شؤون البلاد عاجزة عن وضع إستراتيجية ناجعة في مواجهة الأرقام المخيفة لمعدلات البطالة، وفي محاولة منها لامتصاص البطالة قامت الدولة الموريتانية بوضع إستراتيجية تعتمد على تشجيع التكوين المهني وتنظيم سوق العمل، إضافة إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات من قبيل رفع سن الولوج للوظيفة العمومية إلى 40 سنة بدلا من 35 سنة، وتنظيم العديد من مسابقات التوظيف في القطاع العام، أيضا وفي نفس الإطار تم إنشاء الوكالة الوطنية لترقية تشغيل الشباب، ومنذ إنشائها في العام 2005 تجاوز عدد المسجلين رسميا لدى هذه الوكالة 40 ألف عاطل عن العمل، من ضمنهم 6 آلاف من حملة الشهادات العليا.

وتقول الحكومة الموريتانية إن الوكالة الوطنية لترقية تشغيل الشباب قامت منذ إنشائها بتمويل أكثر من 1500 مشروع لطالبي العمل.

ورغم كل هذه الإجراءات المتخذة من قبل الدولة فإن المراقبين الاقتصاديين يرون أن الإستراتيجية الحكومية لا تزال عاجزة عن وضع حد للأرقام المتصاعدة لمؤشر البطالة التي تشكل عائقا حقيقيا في وجه التنمية المستدامة بالبلاد.

 

تفاقم يفرض الحل

مع فشل الاستراتيجيات الحكومية في وضع حد لارتفاع نسب البطالة ومع تنامي الاحتجاجات التي ينظمها العاطلون عن العمل بات إلزاما على الدولة الموريتانية البحث عن حل جذري لهذا المشكل العويص، إذ خلص التقرير الرابع لمنظمة العمل العربية الصادر قبل أسبوع في القاهرة إلى أن مشكل البطالة يعد المحرك الرئيسي لمعظم الاحتجاجات التي عصفت بالمنطقة العربية فيما بات يعرف بالربيع العربي.

 

وقد شهدت موريتانيا موجة احتجاجات قادتها تجمعات العاطلين عن العمل، أبرزها الاعتصام الذي نظمه تجمع "كواس حامل شهادة" في العام 2012 أمام القصر الرئاسي، وما تلا ذلك من وقفات لتجمع "أنا علمي"، غير أن تعاطي السلطات العمومية مع تلك الاحتجاجات لا يزال ضعيفا في ظل التنامي المخيف لظاهرة البطالة.

 

ويُجمع الاقتصاديون الموريتانيون على أن النسب المرتفعة لمعدلات البطالة أصبحت تفرض حلا عاجلا واستراتيجيات واضحة الأهداف من طرف الحكومة من أجل محاصرة الانعكاسات الخطيرة لهذه الظاهرة.

 

وفي انتظار حلول عملية للقضاء على البطالة تبقى المفارقة المتمثلة في كون موريتانيا بلد غني بمقوماته الاقتصادية مع نسب مرتفعة للبطالة والفقر، تبقى تلك المفارقة قائمة وربما لأمد ليس بالقصير..!

 

بوابة إفريقيا الإخبارية

 

أربعاء, 17/09/2014 - 12:15

          ​