الدين… الجنس… و غياب السياسة

عندما كنت أقف أما واجهات معظم المكتبات في دمشق أو أمام ( البسطات المنتشرة ) على اﻷرصفة كنت أستغرب من انتشار الكتب المبتذلة حول طرق دخول الرجل بزوجته أو الكتب الدينية أمثال ( بدائع الزهور في وقائع الدهور ) و كنت بالطبع أتندر على شعبنا و آلية تفكيره و أولوياته من حيث ( استقطاب العناوين اﻷتفه )… و لكن بقيت مواضيع الدين و الجنس و السياسة في عمقها مغيبة عن مفردات اللسان السوري و بالطبع عقله حتى اندلاع الثورة السورية ، حيث فجر الصراع الثوري مع الاستبداد ثم العسكري فيما بين اﻷطراف المتقاتلة مأساوية الرؤية الاجتماعية إلى كل من المواضيع الثلاث ( الدين و الجنس و السياسة ) .

 

لقد شكل موضوع الاغتصاب على سبيل المثال مخيالا مهما لدفع الكثير من الشبان للانخراط في صفوف الثورة و كان اللعب على هذا الملف دورا كبيرا في دفع آلاف الشبان للعسكرة و قد عمل النظام على ( إدارة ) ملف الاغتصاب بيد خبير إذ عمل على اغتصاب رجال دين و شباب ذي توجه ديني عميق حتى أنه في فرع الجوية الكائن في ساحة التحرير بدمشق اغتصب أحد رجال الدين الشباب و قام القذر الذي اغتصبه باﻹنزال على لحيته اضافة لاغتصاب زوجات أمام أزواجهن و بنات أمام أهلهن .فجر اللعب على الموضوع الجنسي استقطابا خطيرا و شكل دافعا أساسيا لتطوير و تعميق ميول العنف و استخدم بشكل مستمر لتهييج الجماهير و تعبئتها من كلا الطرفين المتصارعين على اﻷرض ، لقد استثمر النظام الهاجس الجنسي لدى الشعوب المشرقية و لعب على تسميات مبتكرة مثل جهاد النكاح أو السعي وراء الحوريات أو إكراه القاصرات على الزواج المبكر و السبي و أسواق النخاسة و استخدمت المعارضة الاغتصاب و مصطلحات مثل هتك اﻷعراض و الذود عن المحارم و خاصة عندما تتعلق اﻷمور بسرد قصص حمل السفاح في المعتقلات .ليس موضوعنا حصول هذا الشيء أم لم يحصل سواء من النظام أو المعارضة أو الجماعات الجهادية و لكن بالتأكيد استثمر هذا الموضوع بشكل خطير في الحرب الدائرة في سوريا ﻷنه يعكس بشكل أو بآخر المنظور الجنسي المتلاقح بشكل أو بآخر مع الدين .

 

الدين الذي أضحى الورقة الرابحة في استعار الحرب الدائرة في الشرق ، الدين الذي استنزف حتى آخر حرف و اجتر تاريخ أربعة عشر قرنا من الصراع الديني المحموم في المشرق ليتداخل الدين مع كل تفصيل في الصراع الدائر على اﻷرض السورية .

 

استثمر النظام الدين منذ اليوم اﻷول و استنفر رجال الدين التابعين له للبحث في سطور الكتب و في أروقة الفتاوى عن كل ما يحرم الخروج على الحاكم و جيش المنابر و القنوات الدينية و حلقات الدرس المؤيدة لنهج حكمه ، ثم ربط الصراع بشكل ديني و حوره طائفيا ليستطيع جر طائفته حتى آخر رمق فكان له ما كان ، أما على الجهة المقابلة فقد صمد الحراك الثوري بعيدا عن الاسلمة الكاملة حوالي الثمانية أشهر فقط و لكن رجال الدين الذين طالبوا بدولة مدنية و طالبوا بحراك وطني و باركوا تحول سوريا إلى دولة ديمقراطية غيبوا في ساحات السياسة العالمية و في أقبية سجون اﻷسد أمثال محمود الدالاتي و الصياصنة ليطلق بالتوازي مع ذلك النظام عتاة المتطرفين من السجون و أرفق ذلك بسياسة عنفية ممنهجة رافقتها قنوات طائفية تحريضية جذبت المنطقة كلها إلى حالة من الاستقطاب الديني الطائفي ودخل اللعبة عتاولة المتطرفين من كل اﻷطراف .هكذا ربح الرهان مع النظام و لكن علينا أن نعي أنه لم يربح النظام فقط بل ربح معه إيران بل أيضا ربحت دول إقليمية راديكالية فكلما اشتد الصراع الطائفي كلما التفت قواعدها الجماهيرية حولها و هذا ما حصل .

 

كل ما ذكر أعلاه حصل دون أن يكون للسياسة أي دور ، حتى اﻵن لم يقم أي من اﻷطراف في النظام أو المعارضة بأي عمل سياسي جدي ، كل التصريحات السياسية و أنشطة السياسة تنصب في خانة بناء التحالفات و دعم التوجه العسكري لكلا الطرفين دون أن يفهم أي منهما أن الثورات لا تنجح إلا بالسياسة و اﻷنظمة لا يحافظ عليها إلا بالسياسة و أن الحرب و القتال و اﻷسلحة و المعارك اﻹعلامية و الحراك الشعبي كله يجب أن ينصب في خدمة السياسة .

 

لقد ثار شعبنا بعقده و كبته أكثر من عقله و كانت الشعارات منذ اليوم اﻷول تستفز الحماسة أكثر من العقل ( الحمية ، يا للعار يا للعار سوري يضرب سوري النار ، و يا درعا نحن ماعاكي للموت ) لماذا لم يفكر كتبة هذه الشعارات أن يقولوا ( يا درعا نحن معاكي للحياة ؟ ) ألا يجب أن تنصب الثورات في بوتقة الحياة الكريمة للأمة بدلا من موتها ؟ قليلون أولئك الذين خاطبوا العقل و سرعان ما حيدوا و جوبهوا و خونوا بل و قتلوا لتصبح الساحة و بشكل كامل ملك المتطرفين من كل اﻷطراف ، اﻷمم لا تتقدم إلا بالعقل و بالعقل وحده يصبح اﻹنسان إنسانا.المحامي إيهاب عبد ربه

ثلاثاء, 23/09/2014 - 12:17

          ​