أحد عشر قلما بموريتانيا!

شعراء موريتانيا "كثر"، يناهزون "المليون شاعر" بعبارة الحاجري المشهورة، لكن الكاتبين من أبنائها، قلة للأسف، ، بل لعلهم أحد عشر قلما، يزيدون أو ينقصون.

 

تغلب الكتابة السياسية على نتاج الكتاب الموريتانيين، بحكم الممارسة أو الاهتمام بالشأن العام، ولأن وهج السلطة ـ الدولة في بلدنا هو محور كل شيء.

 

من هؤلاء، مثالا لا حصرا، كتاب سياسيون، وصحفيون، وروائيون.. تختلف مشاربهم وتتنوع أساليبهم، في مقدمتهم يأتي محمد يحظيه ولد بريد الليل، وهو سياسي معروف، لكنه قبل ذلك كاتب كبير، ذو عبارة ساحرة تجمع بين الغموض والعمق. وهو إن كتب مذكراته بروح الكاتب، وليس بمنطق السياسي، فستكسب موريتانيا سفْرا بليغا من أسفار الكتابة السياسية وعملا رصينا في تدوين المذكرات!

في حقل الكتابة الروائية برز كاتبان مبدعان، هما موسى ولد أبنو و محمد ولد أمّيْن.

وتبدو الكتابة الروائية لديهما، كما لو كانت شهادة "رمزية" مشفرة على الواقع السياسي ومآلاته وحتى أصوله، فرضها مبدأ التحفظ الوظيفي الرسمي الحاضر في مسيرة الرجلين المهنية.

لكن موسى ولد أبنو اكتفى بالرواية ولم يكتب في السياسة، بل بدت روايته (حرب الفجار) معجما جاهليا يضج بالحياة، وكان أضْرب صفحا عن إكمال روايته المثيرة للجدل (الإمام المجذوب)!

 

 

أما ولد أمّيْن فقد سجل شهادة سياسية وفكرية رائعة في كتابه (حسن ولد مختار) والذي جاء عملا رصينا وشائقا، يجمع بين الأدبية والتاريخية، بل إن بعض فصوله تكاد تستحيل نوعا من "أدب الرحلة" قائما بذاته. وكان وقعه في الساحة قويا، يوم كان فصولا تنشر تباعا في الصحف، وهز رتابة الحياة الثقافية المحلية، ضيقة العطن والمورد، لكنه أعطاها نفسا جديدا، وأدخل على القارئ الموريتاني شيئا من روح النقد وجانبا من البوح ونوعا من السردية المتسقة.

 

أما غالبية الكتاب الشباب الآخرين، فهم نتاج "محنة الديمقراطية"، منذ التسعينيات إلى الأمس القريب. وكأن موت الحلم الديمقراطي، وانكفاء اللحظة الليبرالية، هو شهادة ميلاد زمرة متمردة على الرداءة السياسية والفكرية والاجتماعية.

 

أبرز هؤلاء سيدي علي ولد بلعمش وحنفي ولد دهاه وأبو العباس ولد ابراهام، وتبدو كتاباتهم كما لو كانت تستقي من هم سياسي واحد، رغم اختلاف مشاربهم الفكرية والإيديولوجية، وتنوع أساليبهم اللغوية والأدبية.

 

ينحو بلّعمش منحى الكتابة السياسية العنيفة، التي تروم كشف الخفايا وقراءة ما بين السطور في الخطاب الرسمي للسلطة وممارستها الزبونية والأمنية.

أما حنفي فرغم تكوينه المحضري المتين، فإنه متمسك بصبغته اليسارية، لكنه أولا وأخيرا، يبقى كاتبا سياسيا ساخرا، يراهن على أن "السخرية أقوى من الرصاص"، ولذلك فهو (برنار شو) موريتانيا بلا منازع!

 

يمتاز رفيق دربه أبو العباس، وهو من أترابه، بقراءته الواسعة في الفكر السياسي المعاصر، لاسيما باللغة العربية، رغم أنه يجيد الإنجليزية، لغة تكوينه الجامعي.

وتمتاز كتاباته بعمق التحليل الفكري للممارسة السياسية، وطغيان الصبغة الفلسفية وحضور لافت لأصداء الماركسية الجديدة.

 

الصبغة اليسارية هي الغالبة على جل هؤلاء الكتاب، باستثناء اسمين أو ثلاثة، وقد حظي الإسلاميون (الإخوان) بكاتب بارز، هو محمد مختار الشنقيطي (الرمظاني)، لكن تكوينه الأكاديمي صار يطغى تدريجا على مقالاته السياسية.

 

وتبقى اللائحة مفتوحة، لكن حرفة الكتابة ليست حقلا مفتّح الأبواب، يلجها كل من هب ودب، أو قال أو كتب!حماه الله ولد السالم

أحد, 19/10/2014 - 15:21

          ​