طنجه .. رحلة مع الطبيعة والتاريخ

ماذا أكتب عن مدينة تعاقب عليها الكتاب والمؤرخون عبر الأزمنة الغابرة، وجرتْ على أمواجِها الزرقِ سفنُ العالم بين كل قارات الدنيا؟ ومن أنا حتى أسطر عن ديارٍ تعلق بها ابن خلدون وأسهب في وصفها البكري؟ وماذا عساي ان أدون عن مدينة هي معقل أمير الرحالة العرب ابن بطوطة؟ .

إنها طنجه وما أدراك ما طنجه أسمع بها وأبصر !! قرأت عن هذه المدينة كثيرا لكبار المؤرخين العرب، والمستكشفين الأوربيين ، وقبل أكثر من عشرة حِجج كانت لي أيامٌ مع "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" لابن المدينة الرحالة المشهور ابن بطوطه ؛ يومَ كانت تلك الدور العتيقة ملاعبّ صباه ومُنطلقَ اكبر رحلة خاصة في التاريخ،  وقبل أقل من عام ذقتُ مرارة "الخُبز الحافي" للكاتب الروائي محمد شكري، وتأملت بين السطور كيف حولت هذه المدينة العريقة ـ بظلالها الوارفة وجناتها الخُضر وعيونِ بناتها المختلطة، وبحارها المتصافحة ـ  أحد أطفال الريف المتسكعين والمنشغلين بالعالم السفلي  إلى رجل من أكبر المبدعين في العالم العربي.  

كان لا بد إذن من زيارة مدينة البحرين ومعقل الكتاب والمفكرين وعناق القارتين. هيا إلى هذه المدينة...  

الرباط عاصمة المغرب.. غَبَشُ فجرٍ كاذب، تتساقط فيه قطرات الندى على زهور الربيع، فتنحسر بركٌ مائية على الورود وسط عبق قادم من ملتقى وادي "أبي رقراق" والأطلسي،  يُرى من بين فجوات الضباب برجُ محمد السادس ومسرح الرباط يعكسان أنوارهما على الوادي الذي يفصل بين "سلا" و"الرباط".

"الآن وصلنا باب الفندق" قالها صاحبنا في مكالمة سريعة، ونزلنا على الفور، السيارة التي لا تتوقف ماسحاتها بسب الصقيع تعبُرُ شوارعَ المدينة وسط طقس يجمع بين برد الشتاء واعتدال الربيع.

الطريق إلى طنجه شمالا طريق سريع ومتعرج، جناتٌ خضرٌ على مدِّ البصر يستمتعُ بها الناظرُ في مسافة تمتد أكثر من 200 كلم، في الطريق يصادفك القطار الكهربائي السريع كلمح البصر بسرعة 300 كلم في الساعة ويمر في إحدى المناطق بأكبر قنطرة قطار في افريقيا كلها.

ثم وصلنا بعد ساعتين من المسير إلى ميناء طنجه المتوسط، واستقبلونا بحفاوة وقدموا لنا شروحا مفصلة عن هذا المركب الذي يعد الأكبر في شمال افريقيا وهو مؤلف ميناء طنجه المتوسطي 1 وميناء طنجه المتوسطي 2 وميناء المسافرين.

يتسع المركب لأكثر من 9 ملايين حاوية وآلاف السفن التي ترسو يوميا، وهو ملتقى لقارات العالم كلها. جابت بنا الحافلة حتى وصلنا نهاية المرفأ ، بل وصلنا حافة التاريخ، ولِلَّهِ ما أجمله من منظر!!.

الآن نقف مع نزار قباني ووراءنا التاريخ كوم رماد، وعن شمالنا الجزيرة الخضراء الإسبانية حيث الحضارة الأندلسية وزخارفها، وعن يميننا جبل طارق نتأمل كيف وقف عليه طارق بن زياد  ذات حقبة من التاريخ يستنهض همم جيش المسلمين (العدو أمامكم والبحر وراءكم).

وقفتُ مع التاريخ لحظات أستمتع بالموج وهو يتكسر على شواطئ طنجه وأستنطق التاريخ وحقبه، اسائل تلك الجبال الأندلسية عن حضارة صقر قريش وعن دولة المرابطين والموحدين وعن قرون من مملكة العلويين؟

بعد الميناء سرنا مع الشاطئ دخلنا أزقة المدينة العريقة ورأينا قبور الفينقيين واحتسينا القهوة على حافة القارة الإفريقية، نحن الآن في لحظة غروب ساحر نتأمل في الأسفل فنرى الشمس تطفو في البحر مخلفات ألوان وردية في الأمواج، النوارس البيض تداعبنا بلطف وهي تهبط من السطح إلى البحر.

على مد القاع تجري الفلك في الأمواج ولا نمل من رؤية جبال الأندلس نسائل أنفسنا كم من عظماء العرب المسلمين مروا من هنالك..

غادرنا مدينة ومشاعرنا تمتزج بين الحنين إلى الماضي والتعلق بالطبيعة وجمالها وأمنية العودة والكتابة والتأليف عن هذه الحضارة التي لم تعط حقها عربيا ولا عالميا..

 

المختار بابتاح  ـ طنجه   14 مارس 2022

أحد, 10/04/2022 - 11:08

          ​