الشعوذة والسحر بكل لغات العالم / عبد الهادي الناجي

لم يكن أحد ليصدق أو يسمع -ولو من باب المزحة، أو في باب ما جاء في الأحلام- ما تم تداوله بخصوص قضية السحر والشعوذة من لاعب كبير بقيمة بول بوغبا، الطفل المدلل لمنتخب فرنسا، إلى أن جاء كيليان مبابي الفتى الساحر الذي ألهب الجماهير بسحره الكروي، ليطوي صفحة بول بوغبا.

 

 

 

ظل السحر والشعوذة حديث الصحافة الغربية التي وجدتهما مادةً دسمةً لتستهزئ بهما أحيانًا، وتتهكم بتلك التعاويذ، والشطحات الشيطانية الجالبة للحظ والفوز، بل حوّلوها إلى مسخرة حقيقية جعلت الأفارقة في قفص الاتهام، إلى أن حوّلوا بعض البرامج إلى نكت مضحكة.

 

 

 

لكن بعد انفجار فضيحة بول بوغبا، أصبح الكلام (غِير)؛ إذ اهتز لهذه الفضيحة الرأي العام الدولي ولم يهضمها، حينما كشف الدولي الفرنسي بول بوغبا لاعب خط وسط يوفنتوس حقيقة استعماله السحر والشعوذة ضد مواطنه كيليان مبابي نجم باريس سان جيرمان فيما يُعرَف بـ ( السحر الأسود )، بعد أن خرج اللاعب السابق لكرة القدم ماتياس بوغبا وهو الأخ الأكبر/ في مقطع فيديو مصور عبر الإنترنت في الأيام الماضية وتعهد بفضح شقيقه نجم يوفنتوس الحالي بول بوغبا.

 

 

 

ومن بين الحقائق المروعة التي سردها ماتياس بوغبا هي لجوء شقيقه بول إلى ساحر واستعماله السحر والشعوذة ضد كيليان مبابي، لكن بول بوغبا أكد  أنه دفع بالفعل الأموال لأحد (الأطباء) المختصين في باب ما جاء في السحر  لإلقاء تعويذة سحر، لكن لحماية نفسه من الإصابة وليس لإلقاء اللعنة على كيليان مبابي. 

 

 

 

(لا دخان بدون نار.. يا بوغبا)، والغريب العجيب أن بوغبا إنسان مسلم، وإذا كان يفكر في حماية نفسه من شيء ما، فعليه أن يتوجه بالدعاء إلى الله، وأن يتضرع له، وألّا يلجأ إلى السحر والشعوذة، فظواهر السحر والشعوذة وجلب الحظ يجب أن تكون في منأى عن شيء عنوانه كرة القدم.

 

 

 

إنها ظواهر غير أخلاقية، ولكن نجد أنها استطاعت أن تقتحم مجالًا نظيفًا دون سابقة إنذار. واللجوء لمثل هذه الظواهر في مجال الرياضة يُعَدّ غشًا وتحايُلًا، يتنافى مع أخلاقيات الرياضة التي تعتمد أساسًا على التنافس الشريف، والجهد والتنظيم والروح الرياضية والتسامح من أجل تحقيق الفوز.

 

 

 

والسحر حقيقة مثبتة، ورد ذكره في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ولا خلاف على أنه حقيقة، والسحر هو ما يخيل على غير حقيقته، وهو كذلك المخادعة والإيهام، وهو ما يُستعان في تحصيله بالجن والشياطين، وعالم السحر والشعوذة عالم غامض ومخيف تحيط به الكثير من القصص والأساطير والأكاذيب كذلك في كثير من الأحيان.

 

 

 

وفي عالم كرة القدم يتردد ذكر كلمة السحر على لسان الكثير من المسؤولين عن المنتخبات والأندية الرياضية بعد هزيمة منتخباتهم وأنديتهم ملوحين إلى أن فوز الفريق المنافس جاء عن طريق السحر وليس عن طريق التدريب والتنظيم والبذل والعطاء!

 

 

 

تعددت الأسباب… والهدف واحد

 

تعددت أنواع السحر والشعوذة، فمنهم من يُفقِد نجم الفريق المنافس لياقته البدنية في زمنٍ قياسيٍّ بصورة مفاجئة وغير مبررة، ليشكو من التعب والإجهاد دون وجود عوارض سابقة أو لاحقة لتبرير الحالة، وكذلك جعل اللاعب يشكو من المرض من غير مرضٍ، من خلال إيهامه بحالة مرضية من دون أي أعراض بعد التشخيص، كما يوجد نوع آخر لسحر المرض وهو مرض أو حالة مرضية حقيقية قد تكون مجرد غثيان ودوار واستفراغ وفزع…

 

 

 

وهناك سحر للأعطاب، وهو سحر يصيب أحد لاعبي الفريق المنافس، وغالبًا ما يكون مُركَّزًا على اللاعب المميز في الفريق، لجعله يشعر بحالة رعب شديدة أو بحالة شبيهة بالصرع كلما رأى اللون الأساسي الذي يرتديه الفريق المنافس الذي قام شخص ينتمي إليه بعمل السحر.

 

 

 

مصطلحات غريبة… إنها كلمة المرور…!

 

للسحر والشعوذة في لعبة كرة القدم مصطلحات ومترادفات رائجة وشائعة  تنتشر بشكل كبير في القارة الأفريقية ومنها “غري غري، والدغا، والكوتي، والدنبوشي” وبعض هذه المسميات يُستخدم في بعض الدول العربية على وجه التحديد، كما يُقال أن أصل كلمة الدنبوشي يعود إلى الفترة التي شهدت توافد عدد من اللاعبين الأفارقة للعب كرة القدم في بعض دول الخليج، حيث استخدموا هذا المصطلح لوصف ظاهرة السحر والشعوذة في التأثير المزعوم في نتائج مباريات كرة القدم.

 

 

 

أفريقيا… والشعوذة

 

تأخذ ظاهرة السحر والشعوذة في لعبة كرة القدم، وخاصةً في أفريقيا أشكالًا وطقوسًا غريبةً يقوم بها السحرة والمشعوذون الذين يدّعون قدرتهم على التأثير في نتائج المباريات، وهي عبارة عن طقوس نابعة من إيمانهم ببعض الخرافات والتقاليد الغريبة كأنْ تُخلَط بعض المساحيق المجففة ويضيفون إليها مسحوقًا أخضر، مُدَّعين قدرة هذه الخلطة على التأثير في نتائج المباريات لما تُحدِثه من إرباكٍ على لاعبي المنافس وإثارة الشعور بالخوف في أنفسهم.

 

 

 

أغرب قصص السحر والشعوذة في تاريخ لعبة كرة القدم

 

ما دمنا نتناول موضوع السحر والشعوذة في لعبة كرة القدم من كل جوانبه، نذكر هنا أغرب قصص السحر والشعوذة في تاريخ لعبة كرة القدم ومنها:

 

 

 

وصلتْ طقوس السحر والشعوذة في الكرة الأفريقية إلى درجة بالغة من الصعوبة، حيث سلّمت إحدى الفرق في موزمبيق وقبل كل مباراة الفريق يد قرد حتى تُقوِّي يد حارس المرمى ويتمكن من التصدي لجميع هجمات الفريق المنافس.

 

 

 

ثم تأتينا حكاية الأخطبوط الشهير الذي تنبأ بفوز إسبانيا على هولندا في نهائي كأس العالم بجنوب أفريقيا عام 2010 وحصولها على الكأس، وكذلك تنبؤه بفوز ألمانيا على الأوروغواي، ليغدو هذا الأخطبوط العراف من مشاهير النسخة التاسعة عشرة من نهائيات كأس العالم.

 

 

 

وفي إحدى مباريات بطولة كأس العالم عام 2010 بجنوب أفريقيا، بادر أحد المشعوذين بذبح ثور قرب بوابة ملعب سوكر سيتي ستاديوم، وهو أحد الملاعب التي أقيمت بها مباريات المونديال، وقد بررت مجموعة منظمة المعالجين التقليديين إقدامها على هذه الخطوة بإضفاء البركة على البطولة وتبليغ السلف بأن العالم كله موجود هنا، كما أن بعض اللاعبين يلجؤون إلى هذه العادات، المسماة أيضًا “جوجو”، خلال منافسات كأس الأمم الأفريقية.

 

 

 

استخدام السحر في حد ذاته في كرة القدم ليس جديدًا بتاتًا، لكن الجديد في الأمر هو أنه يستخدم اليوم بين أفراد الفريق نفسه وضد المدرب وليس ضد المنافسين، لتدمير بعضهم بعضًا” ، وتصفية حسابات عنوانها الغيرة.

 

 

 

وخلال كأس أفريقيا عام 2002 التي نُظِّمت في مالي، ألقت الشرطة القبض قبل بضع ساعات من مباراة نصف النهائي بين البلد المضيف والكاميرون على مدرب الأسود التي لا تُقهر وينفريد شافر ومساعده توماس نكومو وهما يضعان تميمةً سحريةً على أرضية ملعب 26 مارس، وقبل هذه الحادثة بسنتين تم الإبلاغ عن تصرفات مشابهة في مباراة ربع نهائي كأس الأمم الأفريقية بين السنغال ونيجيريا. وهذه ليست أمورًا نادرة الحدوث.

 

 

 

الدواء الوهمي

 

حتى لو لم يؤمن لاعبٌ من اللاعبين بنجاعة هذه الأعمال، فهو بحاجة إليها؛ لكي يطمئن. هذا يشبه الدواء الوهمي. فمثلًا لكي يؤدي اللاعبون مهمتهم على الملعب على أكمل وجه؛ نجدهم يستحمون عدة مرات بطريقةٍ تقوم على السحر؛ فيكون الحمام مزودًا بأعشابٍ وجذور أعشاب.

 

 

 

أوروبا لم تسلم من الخرافات

 

لا يمكن وضع الفرق الأفريقية في قفص الاتهام وحدها، إذ يستعين لاعبون أوروبيون أيضًا منذ زمن بعيد بطقوس ومعتقدات خرافية لجلب قدر أكبر من الحظ خلال المباراة. وكان عَالِم الحيوانات، ديسموند موريس، قد طرح من قبل مسألة الدجل في كرة القدم الأوروبية في كتابه “The Soccer Tribe” الذي نشره عام 1981.

 

 

 

وفي هذا الكتاب، يُعرِّف موريس مختلف الطقوس مثل تقبيل عارضات المرمى أو فرك مقدمة الأحذية بمشروب (الويسكي) أو عدم الخروج من الملعب في آخر الصف. ويرى موريس أن بعض هذه الطقوس يمكن أن تبدو غريبةً؛ لكنها تقوّي الثقة بالنفس عند اللاعب، ومن ثم تعطيه الحماس.

 

 

 

وقد صُوِّر المدرب الإيطالي جيوفاني تراباتوني وهو يسكب الماء المبارك خلسةً على أرضية الملعب قبل مباراة الـ”سكوادرا أزورا” في كأس العالم 2002، وهذا المشهد أثار ضجةً صغيرةً آنذاك، وكان المدرب الفرنسي لويس فرنانديز يرش الملح في المرمى قبل بداية المباريات.

 

 

 

أمّا اللاعبون؛ فَحَدِّثْ ولا حرج! إذ نجد أن المدافع الإنجليزي جون تيري اعترف عام 2005 بأنه يمارس ما لا يَقِل عن خمسين معتقدًا من المعتقدات الخرافية.

 

 

 

علينا أن نستفيق… لأن كرة القدم صناعة

 

عندما نضجنا وتقصينا، عرفنا حقيقة أن السحر لن يجلب كأس العالم، ولم يمنع سادة اللعبة البرازيل من أن يخسروا بسبعة أهداف أمام ألمانيا، وبدأنا نَكُون أكثر عقلانيةً في تفكيرنا في أن الكرة علم وتطور وصناعة واقتصاد، ورغم أنه ما زال هناك مَن يخبرك بأن لاعبًا حدّثه بأنه شاهد الكرة تنقسم إلى شطرين في أثناء المباراة، ولكن الكارثة أن يأتي فكر مشابه، بتقديمٍ مختلفٍ من الإعلام، فهذا لا يُطاق…

 

 

 

وكل ذلك جزء من التخدير السلبي لعقل المتلقي؛ ليصبح عاجزًا عن الاعتراف أو احترام إنجازات المنافسين. هذا الفكر الذي يحاول بعضهم زرعه -للأسف- هو تخدير العقول بإصدار أكبر ضوضاء ممكنة لجعل المتلقي يُكِّذب نفسه، ويَسقط في مطبات الجهل والإيمان بالشعوذة.

 

 

 

آخر الكلام

 

اللاعب الفرنسي “كيليان مبابي” يتابع عن بُعد أزمة “بول بوغبا”، وصرّح بأنه في حال تأكد له بدليل قاطع ومُصوَّر، أن “بوغبا” لجأ للسحر الأسود لإلحاق الأذى به؛ فسيرفض اللعب بجواره في منتخب فرنسا…

 

 

 

(وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) صدق الله العظيم

 

 

 

المصدر :الكاتب + winwin

 

 

ثلاثاء, 04/10/2022 - 10:21

          ​