من معاني الاستقلال

في منتصف ليلة الثامن والعشرين من شهر نوفمبر من سنة 1960م أعطت فرنسا الاشارة لميلاد كائن عجيب على بيئته، غريب على أمه وأبيه، وجديد على ذويه، ثم تربى وترعرع في حضن مناف لتكوينه البيلوجي، فأصيب بعدة تشوهات أصابته فيما بعد بمرض الشيخوخة المبكرة، ثم تعاقب عليه حكماء عدة للعلاج فكان كلما هم بالنهوض والعودة إلى الحياة إذا بأحد المقربين من أمه أو أبيه ينتهزها فرصة للإنتقام.

 

تلكم هي أقرب صفة يمكن أن نصف بها دولة موريتانيا اليوم وهي تعيش أوج فتوتها وكأنها في طور الشيخوخة، أكتب هذه الكلمات وأنا على مسافة ثلاثة أيام من ذكرى الإستقلال الوطني الذي تقوم في ذكراه الدنيا ولا تقعد دون كبير فهم لمعنى الإستقلال والحرية .

 

إن الإستقلال والحرية هي معان عظيمة تذهب الأرواح في سبيلها، ويهدى الغالي والنفيس للإرتجاعها ونيلها، وتنفد الشعوب وتشرد وتعذّب وتعدم لذوق طعمها.

 

أما هنا في موريتانيا فكلمة الإستقلال هي مفردة من حقل دلالي غابت معانيه وحضرت ألفاظه، بكل أشكاهلها الفضفاضة وأبعادها الهندسية الفخمة، فمن منا اليوم لا يكرر الدولة والوطنية والحرية والرئيس والبرلمان في كلامه اليومي لألف مرة دون أن يسأل نفسه ولو لمرة واحد عن معنى أوعن دلالة  إحدى هذه المتتاليات الصوتية التي يتفوه بها عن غير وعي، ويسأل نفسه عن المنظومة الدلالية التي تحيل إليها هذه المفاهيم في عرف القانون و الثقافة.

 

إن الحديث عن الإستقلال و الحرية حديث من تلك الأحاديث التي تراود الإنسان في صمته ووحدته وهو ما يتطلب منا تعريفا جمعا مانعا لتلك المعاني العظيمة مثل الوطنية والدولة وأشياء كثيرة نسمعها ونقولها دون كبير وعي!..

 

لا شك أن مويتانيا أنتقلت من دول العالم المستعمرة إلى دولة يشار إليها بالبنان في ظرف وجيز فرغم انها لا تزال فتية حديثة سن إلا أنها كذلك تمتاز عن غيرها من دول الاستعمار بجملة من الخصائص المعتبرةن فلم يتركفيها المستعمر أية بنية تحتية ولا بناء حضاريا ولا بصمة تشكر له تركنا وبدويتنا وروح القبيلة هي الخص والحكم  أمام قضية مجهولة يطلق عليها اسم الدولة.

وكان آخر سطر  من صفحة الحديث عن الاستقلال أن يجلس فتية من بني موريتانيا ويتساءلون على الملأ هل فعلا استقلت موريتانيا أم مازالت قيد الاستعمار القهري تتبع لفرنسا بلا وعي ولا قصد؟

 

ديدي نجيب

ثلاثاء, 25/11/2014 - 00:15

          ​